وأما الجهة الثانية - وهي بيان حقيقة التعارض وأساسه الموضوعي - فقد ذكرنا: أن التعارض هو تنافي مدلولي الدليلين في مقام الإثبات على وجه التناقض أو التضاد بالذات أو بالعرض (1).
والأول: كما إذا دل دليل على وجوب شئ ودل دليل آخر على عدم وجوبه أو على حرمته، أو دل دليل على طهارة شئ ودل دليل آخر على نجاسته، وهكذا...، وأمثلة ذلك في الروايات والنصوص الواردة في أبواب الفقه بشتى أنواعها كثيرة جدا (2)، بل هي خارجة عن حدود الإحصاء عادة.
والثاني: كما إذا دل دليل على وجوب شئ ودل دليل آخر على وجوب شئ آخر، أو على حرمته من دون تناف ومضادة بينهما أبدا في مقام الجعل والتشريع، لإمكان ثبوت كليهما معا في ذلك المقام، ولكن علمنا من الخارج بكذب أحدهما وعدم مطابقته للواقع من جهة قيام الإجماع أو الضرورة أو نحوها على ذلك، وهذا العلم الخارجي أوجب التنافي والتعارض بينهما في مقام الإثبات، وعدم إمكان الجمع بين ثبوت مدلوليهما في مقام الثبوت والواقع.
ومثال هذا: ما لو دل دليل على وجوب الجمعة في يوم الجمعة تعيينا ودل دليل آخر على وجوب الظهر فيها كذلك فإنه لا تنافي ولا تضاد بين مدلولي هذين الدليلين أصلا بالذات والحقيقة، لمكان وجوب (3) كلتا الصلاتين معا في يوم الجمعة، ولا يلزم منه أي محذور من التضاد أو التناقض، ولكن بما أنا علمنا بعدم وجوب ست صلوات في يوم واحد يقع التعارض بين الدليلين في مقام الإثبات،