الباب الآخر، فلا جامع بين البابين أبدا.
وعلى هذا الأساس فالقول بأن الأصل عند الشك هل هو التعارض أو التزاحم؟ لا مجال له أصلا. ومن هنا ذكر شيخنا الأستاذ (قدس سره): أن هذا القول يشبه القول بأن الأصل في الأشياء هل هي الطهارة أو البطلان في البيع الفضولي؟
ثم إنه لا يخفى أن ما ذكرناه من افتراق التزاحم والتعارض لا يبتنى على وجهة نظر مذهب دون آخر، بل يعم جميع المذاهب والآراء، سواء فيها القول بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها أو في أنفسها، والقول بعدم التبعية مطلقا كما هو مذهب الأشعري.
والوجه في ذلك ما عرفت: من أن مسألة التزاحم ترتكز على ركيزة واحدة، وهي عدم تمكن المكلف من الجمع بين التكليفين المتوجهين إليه في ظرف الامتثال. ومن الواضح أنه لا يفرق فيه بين أن يكون لهما ملاك في مورد المزاحمة أم لا، ضرورة أنه لا دخل لمسألة تبعية الأحكام للملاكات بمسألتنا هذه، ولا صلة لإحداهما بالأخرى أبدا.
ومسألة التعارض أيضا ترتكز على ركيزة، وهي تنافي الحكمين في مقام الجعل والواقع. ومن الواضح أنها أجنبية عن كون أحدهما ذا ملاك في مورد المعارضة أو لم يكن، بداهة أنه لا دخل لوجود الملاك في أحدهما، لوقوع التعارض بينهما، وهذا واضح جدا.
فما أفاده المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) من ابتناء مسألة التزاحم على أن يكون المقتضي لكلا الحكمين موجودا في مورد المزاحمة ومسألة التعارض على أن يكون المقتضي لأحدهما موجودا في مورد المعارضة (1) لا يرجع إلى أصل صحيح. وسيأتي تفصيله بشكل واضح في مسألة اجتماع الأمر والنهي إن شاء الله تعالى (2).