الثالث: ما ذكره (قدس سره) من أن الخطاب المترتب على عصيان خطاب آخر إنما يكون فعليا عند تحقق أمرين:
الأول: تنجز الخطاب المترتب عليه من ناحية وصوله إلى المكلف صغرى وكبرى. وقد ذكرنا في محله: أن التكليف ما لم يصل إلى المكلف بحسب الصغرى والكبرى لا يكون محركا له وموجبا لاستحقاق العقاب على مخالفته (1).
الثاني: عصيانه الذي هو الموضوع للخطاب المترتب. وقد ذكرنا غير مرة أن فعلية الحكم بفعلية موضوعه، ويستحيل أن يكون الحكم فعليا بدون فعلية موضوعه وتحققه في الخارج (2)، وحيث إن المفروض فيما نحن فيه توقف صحة الصلاة مع القراءة الجهرية - مثلا - على الجهل بوجوب الإخفات فلا يمكن تحقق العصيان للتكليف بالإخفات ووجوبه ليتحقق موضوع وجوب الجهر، لأن التكليف الواقعي لا يتنجز مع الجهل به، وبدون التنجز لا يتحقق العصيان الذي اخذ في موضوع وجوب الجهر.
وعلى هذا فلا يتحقق شئ من الأمرين المزبورين، وبدون ذلك يستحيل فعلية الخطاب المترتب، فإذا استحالت فعليته استحال جعله أيضا، لما ذكرناه من أن الغرض من جعل التكليف - سواء أكان وجوبيا أم تحريميا - إنما هو إيجاد الداعي للمكلف نحو الفعل أو الترك. ومن الواضح أنه إنما يكون داعيا فيما إذا أمكن إحرازه صغرى وكبرى. وأما إذا لم يمكن إحرازه كذلك فيستحيل أن يكون داعيا.
ومن هنا قد ذكرنا في بحث البراءة (3): أن التكليف إذا لم يصل إلى المكلف صغرى فلا يكون محركا له بمجرد وصوله كبرى، كما إذا علم بحرمة شرب الخمر - مثلا - في الشريعة المقدسة ولكن لم يعلم أن هذا المائع المعين خمر فلا يكون