بداهة أن الحكم الواحد - وهو الوجوب في المقام - لا ينحل إلى حكمين: أحدهما يتعلق بالفعل والآخر بالترك ليكون تاركه مستحقا لعقابين من جهة تركه الواجب وارتكابه الحرام، ومن هنا قلنا: إنه لا مفسدة في ترك الواجب ليكون تركه محرما، كما أنه لا مصلحة في ترك الحرام ليكون واجبا.
وعلى الجملة: فمن الواضح جدا أن الأمر بشئ لا يدل إلا على اعتباره في ذمة المكلف بلا دلالة له على اعتبار حرمة تركه. فالأمر بالصلاة - مثلا - لا يدل إلا على اعتبار فعلها في ذمة المكلف دون حرمة تركها، وهكذا...
وأما إطلاق المبغوض على ترك الواجب فهو بضرب من العناية والمسامحة، كما أن إطلاق المحبوب على ترك الحرام كذلك.
وقد تحصل من ذلك بشكل واضح: أنه لا ملازمة بين اعتبار شئ في ذمة المكلف واعتبار حرمة نقيضه لا عقلا ولا شرعا.
ونتيجة مجموع ما ذكرناه نقطتان:
الأولى: أن الأمر بشئ لا يقتضي النهي عن ضده العام، لا بنحو العينية أو الجزئية ولا بنحو اللزوم.
الثانية: أن القولين الأولين لا يرجعان إلى معنى معقول دون القول الأخير. هذا تمام كلامنا في الضد العام.
الكلام في ثمرة المسألة قد اشتهر بين الأصحاب: أن الثمرة تظهر فيما إذا وقعت المزاحمة بين واجب موسع كالصلاة - مثلا - وواجب مضيق كالإزالة، أو بين واجبين مضيقين أحدهما أهم من الآخر. فعلى القول بعدم اقتضاء الأمر بالشئ النهي عن ضده يقع الواجب الموسع أو غير الأهم صحيحا، إذ لا مقتضى لفساده أصلا، فإن المقتضي له إنما هو تعلق النهي به، ولا نهي على الفرض، إذا يبقى الواجب على حاله من المحبوبية والملاك. وأما على القول بالاقتضاء فيقع فاسدا إذا كان عبادة، بضم كبرى المسألة