الثاني: أن الواجبين المتزاحمين يتصوران على صور:
الأولى: أن الواجبين الممتنع اجتماعهما في زمان واحد قد يكونان موسعين كالصلاة اليومية وصلاة الآيات في سعة وقتهما، أو الصلاة الأدائية مع القضاء على القول بالمواسعة، ونحو ذلك.
الثانية: أن يكون أحدهما موسعا والآخر مضيقا، وذلك كصلاة الظهر - مثلا - وإزالة النجاسة عن المسجد، أو ما شاكل ذلك.
الثالثة: أن يكون كلاهما مضيقين، وذلك كالإزالة والصلاة في آخر وقتها بحيث لو اشتغل بالإزالة لفاتته الصلاة.
أما الصورة الأولى: فلا شبهة في أنها غير داخلة في كبرى باب التزاحم، لتمكن المكلف من الجمع بينهما في مقام الامتثال من دون أية منافاة ومزاحمة، ويكون الأمر في كل واحد منهما فعليا بلا تناف، ومن هنا لم يقع إشكال في ذلك من أحد فيما نعلم.
وأما الصورة الثانية: فقد ذهب شيخنا الأستاذ (قدس سره) إلى أنها داخلة في مسألة التزاحم (1). وغير خفي أن هذا منه (قدس سره) مبني على ما حققه في بحث التعبدي والتوصلي: من أن التقابل بين الإطلاق والتقييد من تقابل العدم والملكة، فكل مورد لا يكون قابلا للتقييد لا يكون قابلا للإطلاق، فإذا كان التقييد مستحيلا في مورد كان الإطلاق أيضا مستحيلا فيه، لأن استحالة أحدهما تستلزم استحالة الآخر (2). وبما أن فيما نحن فيه تقييد إطلاق الواجب الموسع بخصوص الفرد المزاحم مستحيل فإطلاقه بالإضافة إليه أيضا مستحيل.
ويترتب على ذلك وقوع المزاحمة بين إطلاق الواجب الموسع وخطاب الواجب المضيق فلا يمكن الجمع بينهما، إذ على تقدير فعلية خطاب الواجب المضيق يستحيل إطلاق الواجب الموسع بالإضافة إلى الفرد المزاحم.