والتأخر فهو في رتبته لا محالة، إذ لا نعني بالمعية في الرتبة إلا عدم تحقق موجب التقدم والتأخر بينهما، ضرورة أنها لا تحتاج إلى ملاك آخر غير عدم وجود ملاك التقدم والتأخر، فكل ما لم يكن متقدما على شئ ولا متأخرا عنه في الرتبة كان متحدا معه في الرتبة لا محالة.
وبعد بيان هذا نقول: إنه يمكن المناقشة فيما أفاده المحقق - صاحب الكفاية (قدس سره) - أيضا.
والوجه في ذلك: هو أن ما أفاده (قدس سره) مبتن على أصل فاسد، وهو: أن استحالة اجتماع الضدين أو النقيضين إنما تكون مع وحدة الرتبة، وأما مع تعددها فلا استحالة أبدا.
أو فقل: إنه كما يعتبر في التناقض أو التضاد وحدة الزمان كذلك يعتبر فيه وحدة الرتبة، ومع اختلافها فلا تناقض ولا تضاد.
ولكن هذا الأصل بمكان من الفساد، وذلك لأن التضاد من صفات الوجود الخارجي، فالمضادة والمعاندة بين السواد والبياض، أو بين الحركة والسكون - مثلا إنما هي في ظرف الخارج، بداهة أنه مع قطع النظر عن وجودهما في الخارج لا مضادة ولا معاندة بينهما أبدا.
وعلى الجملة: فالمضادة والمماثلة والمناقضة جميعا من الصفات التي تعرض الموجودات الخارجية، لا الرتب العقلية، ضرورة أن الوجود والعدم إنما يستحيل اجتماعهما في الخارج، وكذا السواد والبياض، والحركة والسكون، وكل ما يكون من هذا القبيل.
ولذا لو فرضنا أن الضدين كانا مختلفين في الرتبة عقلا كان اجتماعهما خارجا في موضوع واحد محالا، فالاستحالة تدور مدار اجتماعهما في الوجود الخارجي في آن واحد وفي موضوع فارد، سواء أكانا مختلفين بحسب الرتبة أم كانا متحدين فيها، إذ العبرة إنما هي بالمقارنة الزمانية. ومن المعلوم أن المختلفين بحسب الرتبة قد يقترنان بحسب الزمان كالعلة والمعلول.