لها دخلا في الملاك ولا ملاك بدونها فلا محالة يكون كل منهما صالحا لان يكون رافعا لملاك الآخر من جهة عدم القدرة عليه بحكم الشارع، من دون فرق فيه بين أن يكون الملاكان متساويين أو يكون أحدهما أهم من الآخر على فرض وجوده وتحققه. وعلى هذا فأهمية طرف لا تكشف عن وجود الملاك فيه دون الطرف الآخر في مقام المزاحمة، وذلك لصلاحية كل منهما لان يكون رافعا لملاك الآخر ولو كان أحدهما أهم من الآخر، ومجرد كون الملاك في طرف أهم على تقدير وجوده لا يوجب كونه واجدا له دون الآخر، فإذا لا وجه لتقديمه عليه في مقام التزاحم (1).
وأما المقام الثاني فقد اختار (قدس سره) أن التخيير الثابت فيه تخيير شرعي لا عقلي، غاية الأمر أنه قد كشف عنه العقل. والوجه في ذلك واضح، وهو: أن كلا من الواجبين واجد للملاك في ظرف القدرة عليه عقلا وشرعا، وأما إذا وقع التزاحم بينهما فيكون أحدهما لا بعينه واجدا للملاك دون الآخر.
أو فقل: إن في فرض التزاحم بما أن أحدهما لا بعينه مقدور للمكلف عقلا وشرعا - لعدم المانع منه لا من قبل العقل ولا من قبل الشرع - فلا محالة يكون واجدا للملاك الإلزامي، فإذا كان واجدا له فلا مناص من الالتزام بإيجابه، بداهة أنه لا يجوز للمولى الحكيم أن يرفع اليد عن التكليف به مع فرض كونه واجدا للملاك بمجرد عجز المكلف عن امتثال كليهما معا. وعليه فلا مناص من الالتزام بوجوب واحد منهما لا معينا، لاستقلال العقل بقبح ترخيص المولى في تفويت الملاك الملزم، ونتيجة إيجابه هي التخيير شرعا، أعني به وجوب هذا أو ذاك (2).
وخلاصة ما أفاده (قدس سره) نقطتان:
الأولى: أن أهمية أحد الواجبين المتزاحمين يكون كل منهما مشروطا بالقدرة شرعا ليست من المرجحات، فالوظيفة هي التخيير بينهما مطلقا.
الثانية: أن التخيير الثابت بينهما شرعي لا عقلي.