وأما الجهة الثالثة - وهي نقطة امتياز كبرى باب التزاحم عن كبرى باب التعارض - فقد اتضح حالها من بيان حقيقة التزاحم والتعارض. وملخصه: أن النقطة الأساسية في كل من البابين تخالف ما هو النقطة الأساسية في الآخر.
أما في باب التزاحم فهي عدم قدرة المكلف على الجمع بين الحكمين المتزاحمين في مقام الامتثال بلا أية منافاة ومضادة بينهما في مقام الجعل أصلا، فالتنافي بينهما إنما هو في مرحلة الفعلية والامتثال، فإن المكلف إن صرف قدرته في امتثال هذا عجز عن امتثال ذاك، وإن عكس فبالعكس.
ويتفرع على تلك النقطة أمران:
الأول: اختصاص التزاحم بينهما بالإضافة إلى من كان عاجزا عن امتثالهما معا، وأما من كان قادرا على امتثالهما فلا مزاحمة بينهما بالإضافة إليه أبدا، فالمزاحمة في مادة العاجز دون مادة القادر، وهذا واضح.
الثاني: أن انتفاء الحكم في باب المزاحمة إنما هو بانتفاء موضوعه وهو القدرة، لا انتفاؤه مع بقاء موضوعه بحاله.
وأما في باب التعارض فهي التنافي والتعاند بين الحكمين في مقام الجعل والثبوت، وعدم إمكان جعل كليهما معا إما بالذات والحقيقة، وإما من ناحية العلم الإجمالي بعدم جعل أحدهما في الواقع.
ونتيجة تلك النقطة أمران:
الأول: عدم اختصاص التعارض بمكلف دون آخر، وبزمان دون زمان، بداهة أن استحالة اجتماع النقيضين أو الضدين لا تختص بشخص دون آخر، وبزمان دون زمان آخر، وبحالة دون حالة أخرى، والمفروض أن جعل كلا الحكمين معا مستلزم للتناقض أو التضاد، وهو محال.
الثاني: أن انتفاء الحكم في باب التعارض ليس بانتفاء موضوعه، وإنما هو بانتفاء نفسه مع ثبوت موضوعه بحاله.
فتحصل مما ذكرناه: أن المناط في كل من البابين أجنبي عما هو المناط في