ذلك الشئ لعدم ضده، وهو أمر يشترك فيه جميع الأضداد. وأما استلزام عدم الشئ لوجود ضده فهو وإن كان مختصا بالضدين اللذين لا ثالث لهما إلا أنه أجنبي عن ملاك الدلالة تماما.
وعلى ذلك يظهر: أنه لا وجه لما يراه شيخنا الأستاذ (قدس سره) من التفرقة بين ما إذا لم يكن للضدين ثالث وما إذا كان لهما ثالث، فسلم الدلالة في الفرض الأول دون الثاني (1)، فإن ملاك الدلالة - كما عرفت (2) - واحد، إذا فالتفصيل في غير موضعه كما سنتعرض إلى ذلك إن شاء الله تعالى (3).
والجواب عن ذلك: أن الذي لا يمكن الالتزام به هو كون المتلازمين مختلفين في الحكم، بأن يكون أحدهما متعلقا للأمر، والآخر متعلقا للنهي، لاستلزام ذلك التكليف بما لا يطاق، فلا يمكن أن يأمر الشارع باستقبال القبلة - مثلا - في بلدنا هذا أو ما يقربه من البلاد في الطول والعرض وينهى عن استدبار الجدي، لأن هذا تكليف بغير المقدور، بل لا يمكن النهي التنزيهي عنه، لكونه لغوا فلا يترتب عليه أي أثر بعد فرض وجوب الاستقبال.
وأما لزوم كونهما محكومين بحكم واحد ومتوافقين فيه فلا موجب له أصلا، فإن المحذور المتقدم - وهو لزوم التكليف بما لا يطاق - كما يندفع بالالتزام بكونهما متوافقين في الحكم كذلك يندفع بكون أحدهما غير محكوم بحكم من الأحكام. وعليه فلا مقتضي لدفع المحذور بالفرض الأول دون الفرض الثاني، فإن الالتزام بالتوافق في الحكم يحتاج إلى دليل يدل عليه، ولا دليل في المقام، بل قام الدليل على خلافه، وذلك لأن الشارع إذا أمر بأحد المتلازمين فالأمر بالملازم الآخر لغو، فإذا أمر باستقبال القبلة - مثلا - فالأمر باستدبار الجدي، أو كون اليمين على طرف المغرب واليسار على طرف المشرق بلا فائدة، فإن تلك الأمور من ملازمات وجود المأمور به في الخارج، سواء أكانت متعلقة للأمر أم لم تكن، وما