أقول: قد ذكرنا في بحث صيغة الأمر (1)، وكذا في بحث الإنشاء والإخبار (2):
أن ما هو المشهور من أن الإنشاء إيجاد المعنى باللفظ لا أساس له أصلا.
والوجه في ذلك: ما ذكرناه هناك، وملخصه: أن المراد بإيجاد المعنى باللفظ ليس الإيجاد التكويني بالضرورة، فإن اللفظ غير واقع في سلسلة علل الموجودات التكوينية، بداهة أنها توجد بأسبابها وعللها الخاصة، واللفظ ليس من جملتها. وكذا ليس المراد منه الإيجاد الاعتباري، فإن الاعتبار خفيف المؤنة فيوجد في نفس المعتبر بمجرد اعتباره، سواء أكان هناك لفظ تكلم به المعتبر أم لم يكن، فلا يتوقف وجوده الاعتباري على اللفظ أبدا. إذا لا يرجع الإنشاء بهذا المعنى إلى محصل.
فالتحقيق: هو ما ذكرناه سابقا من أن حقيقة التكليف: عبارة عن اعتبار المولى كون الفعل على ذمة المكلف وإبرازه في الخارج بمبرز ما من صيغة الأمر أو ما شاكلها، ولا نتصور للتكليف معنى غير ذلك، كما أنا لا نتصور للإنشاء معنى ما عدا إبراز ذلك الأمر الاعتباري (3).
وعلى الجملة: فإذا حللنا الأمر بالصلاة - مثلا - أو غيرها نرى أنه ليس في الواقع إلا اعتبار الشارع كون الصلاة على ذمة المكلف، وإبراز ذلك بمبرز في الخارج: ككلمة " صل " أو نحوها، ولا نتصور شيئا آخر غير هذين الأمرين:
1 - اعتبار الفعل على ذمة المكلف.
2 - إبراز ذلك بمبرز في الخارج، نسميه بالطلب تارة، وبالبعث أخرى، وبالوجوب ثالثة.
ومن هنا قلنا: إن الصيغة لا تدل على الوجوب، وإنما هي تدل على إبراز الأمر الاعتباري القائم بالنفس، ولكن العقل ينتزع منه الوجوب، ولزوم الامتثال بمقتضى قانون العبودية والمولوية ما لم تنصب قرينة على الترخيص في الترك،