ولكن قد أشرنا فيما تقدم: أن تقسيمه (قدس سره) التزاحم في موارد عدم قدرة المكلف على الجمع بين المتزاحمين إلى هذه الأقسام غير صحيح.
أما أولا: فلأنه لا أثر لهذا التقسيم أصلا، ولا تترتب عليه أية ثمرة، وإلا لأمكن تقسيمه إلى أزيد من ذلك كما سبق.
وأما ثانيا: فلأن أصل هذا التقسيم غير صحيح، وذلك لأن القسم الثاني - وهو ما إذا كان التزاحم ناشئا عن المضادة بين الواجبين اتفاقا - داخل في القسم الأول، وهو: ما إذا كان التزاحم فيه ناشئا عن عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما اتفاقا، بداهة أن التضاد بين فعلين من باب الاتفاق غير معقول إلا من ناحية عدم قدرة المكلف عليهما معا، ولذا لا مضادة بينهما بالإضافة إلى من كان قادرا عليهما كذلك. فإذا لا معنى لجعله قسما آخر في مقابل القسم الأول.
وأما ما ذكره (قدس سره) من أن المضادة بين الفعلين إذا كانت دائمية فتقع المعارضة بين دليل حكميهما فهو إنما يتم في الضدين اللذين لا ثالث لهما، وأما الضدين اللذين لهما ثالث فلا يتم. وقد تقدم ذلك بشكل واضح فلا نعيد (1).
وأما القسم الثالث - وهو: التزاحم في موارد اجتماع الأمر والنهي على القول بالجواز مع فرض عدم المندوحة في البين - فهو داخل في القسم الرابع، وهو:
ما إذا كان التزاحم من جهة التلازم الاتفاقي بين الفعلين في الخارج، ضرورة أن التزاحم في موارد الاجتماع على هذا القول - أيضا - من ناحية التلازم بين متعلق الأمر ومتعلق النهي في الوجود الخارجي. فإذا لا معنى لجعله قسما على حدة.
ونتيجة ما ذكرناه: هي أن الصحيح: تقسيم التزاحم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما إذا كان التزاحم ناشئا من عدم قدرة المكلف اتفاقا.
الثاني: ما إذا كان الحرام مقدمة لواجب.
الثالث: ما إذا كان ناشئا من التلازم الاتفاقي بين فعلين في الخارج.