المحل غير قابل بالذات لعروض كلا الضدين معا. نعم، يقبل الضد الآخر بدلا عنه، وعليه فلا محالة يتوقف وجود الضد الآخر على ارتفاع الضد الموجود، ضرورة أن الجسم الأسود لا يقبل البياض، كما أن الجسم الأبيض لا يقبل السواد، فوجود البياض لا محالة يتوقف على خلو الجسم من السواد ليقبل البياض، وكذا وجود السواد يتوقف على خلوه من البياض ليكون قابلا لعروض السواد، وهذا بخلاف الضد الموجود، فإنه لا يتوقف على شئ عدا ثبوت مقتضيه.
أقول: إن مرد هذا التفصيل إلى أن الأشياء محتاجة إلى العلة والسبب في حدوثها لا في بقائها، فهي في بقائها مستغنية.
بيان ذلك: أن الحادث إذا كان في بقائه غير محتاج إلى المؤثر كان وجود الحادث المستغني عن العلة مانعا عن حدوث ضده، فلا محالة يتوقف حدوث ضده على ارتفاعه.
وأما إذا كان الحادث محتاجا في بقائه إلى المؤثر: فإن لم يكن لضده مقتض فعدمه يستند إلى عدم مقتضيه، وإن كان له مقتض ولم يكن شرطه متحققا فعدمه يستند إلى عدم شرطه، وإن كان شرطه أيضا موجودا ومع ذلك كان معدوما فهو مستند إلى وجود مقتضي البقاء المانع من تأثير مقتضي ضده.
إذا لا فرق بين الضد الموجود وغير الموجود في أن وجود الشئ لا يتوقف على عدم ضده، بل يتوقف على عدم مقتضي ضده إذا كان مقتضي الشئ وشرطه موجودا في الخارج.
إذا عرفت ذلك فلنأخذ بدرس هذه النقطة - استغناء البقاء عن المؤثر - مرة في الأفعال الاختيارية، ومرة أخرى في الموجودات التكوينية.
أما في الأفعال الاختيارية التي هي محل الخلاف في المسألة: فهي بديهية البطلان ولو سلمنا أنها صحيحة في الموجودات التكوينية. والوجه في ذلك ما ذكرناه في بحث الطلب والإرادة: من أن الفعل الاختياري مسبوق بإعمال القدرة والاختيار، وهو فعل اختياري للنفس، وليس من مقولة الصفات، وواسطة بين