أما المقدمة الأولى: فقد أنكرها جماعة من المحققين، منهم: شيخنا الأستاذ (قدس سره)، وقال باستحالة المقدمية، وأفاد في وجهها أمرين:
الأول: أن المعلول وإن كان مترتبا على تمام أجزاء علته التامة إلا أن تأثير كل واحد منها فيه يغاير تأثير الآخر فيه، فإن تأثير المقتضي فيه بمعنى ترشحه منه، ويكون منه الأثر والوجود، كالنار بالإضافة إلى الإحراق، فإن الإحراق يترشح من النار، وإنها فاعل ما منه الوجود والأثر، لا المحاذاة - مثلا - أو بقية الشرائط.
وأما تأثير الشرط فيه بمعنى: أنه مصحح لفاعلية المقتضي وتأثيره أثره فإن النار لا تؤثر في الإحراق بدون المماسة والمحاذاة وما شاكلهما، فتلك الشرائط مصححة لفاعلية النار وتأثيرها فيه، لا أن الشرط بنفسه مؤثر فيه. ومن هنا إذا انتفى الشرط لم يؤثر المقتضي.
أو فقل: إن الشرط في طرف القابل متمم قابليته، وفي طرف الفاعل مصحح فاعليته، فلا شأن له ما عدا ذلك.
وأما عدم المانع فدخله باعتبار أن وجوده يزاحم المقتضي في تأثيره:
كالرطوبة الموجودة في الحطب، فإن دخل عدمها في الاحتراق باعتبار أن وجودها مانع عن تأثير النار في الإحراق، وهذا معنى دخل عدم المانع في وجود المعلول، وإلا فلا يعقل أن يكون العدم بما هو من أجزاء العلة التامة، بداهة استحالة أن يكون العدم دخيلا في الوجود ومؤثرا فيه.
ومن ذلك البيان يظهر طولية أجزاء العلة التامة، فإن مانعية المانع متأخرة رتبة عن وجود المقتضي، وعن وجود جميع الشرائط. كما أن شرطية الشرط متأخرة رتبة عن وجود المقتضي، فإن دخل الشرط في المعلول إنما هو في مرتبة وجود مقتضيه ليكون مصححا لفاعليته، لما عرفت آنفا من أن الشرط في نفسه لا يكون مؤثرا فيه، ودخل عدم المانع إنما يكون في ظرف تحقق المقتضي مع بقية الشرائط ليكون وجوده مزاحما له في تأثيره ويمنعه عن ذلك.