النهي عن تركه، بل قد عرفت: أن النهي عنه لغو.
أضف إلى ذلك ما ذكرناه سابقا: من أن ملاك الدلالة في المقام هو استلزام فعل الضد لترك الضد الآخر، وهو أمر مشترك فيه بين الجميع، فلا يختص بالنقيضين، ولا بالمتقابلين بتقابل العدم والملكة، ولا بالضدين اللذين لا ثالث لهما، بل يعم الضدين اللذين لهما ثالث أيضا، لأن فعل أحدهما يستلزم ترك الآخر لا محالة.
وأما استلزام ترك الشئ لفعل ضده فهو أجنبي عن ملاك الدلالة تماما (1).
فالنتيجة: أن ما هو ملاك الدلالة على تقدير تسليمه يشترك فيه الجميع، ولا يختص بغير الضدين اللذين لهما ثالث كما أفاده شيخنا الأستاذ (قدس سره) من التفرقة لا يرجع إلى معنى محصل.
شبهة الكعبي بانتفاء المباح وهذه الشبهة ترتكز على ركيزتين:
الأولى: أن ترك الحرام في الخارج يتوقف على فعل من الأفعال الوجودية، لاستحالة خلو المكلف من فعل ما وكون من الأكوان الاختيارية، وعليه فإذا لم يشتغل بغير الحرام وقع في الحرام لا محالة إذا كان الاشتغال بغير الحرام واجبا مقدمة لترك الحرام.
الثانية: أن الفعل الاختياري يحتاج في حدوثه وبقائه إلى المؤثر، فلا يستغني الحادث في بقائه عن المؤثر، كما لا يستغني عنه في حدوثه.
فالنتيجة على ضوء هاتين الركيزتين: هي أن ترك الحرام حدوثا وبقاء متوقف على إيجاد غيره من الأفعال الاختيارية في الخارج، وبما أن إيجاده مقدمة لترك الحرام فيكون واجبا بوجوب مقدمي، إذا لا يمكن فرض مباح في الخارج، وهذا معنى القول بانتفاء المباح وانحصار الأفعال بالواجب والحرام.