وللمناقشة فيما أفاده (قدس سره) هنا مجال:
أما ما ذكره من أن التزاحم الناشئ من ناحية عدم قدرة المكلف فينقسم إلى خمسة أقسام فيرد عليه:
أولا: أنه لا أثر لهذا التقسيم أصلا، ولا تترتب عليه أية ثمرة، فيكون نظير تقسيم: أن التزاحم قد يكون بين وجوبين، وقد يكون بين تحريمين، وقد يكون بين وجوب وتحريم. وهكذا...، فلو كان مثل هذه الاعتبارات موجبا للقسمة لازدادت الأقسام بكثير كما لا يخفى.
وثانيا: أن أصل تقسيمه إلى تلك الأقسام لا يخلو عن إشكال.
والوجه في ذلك: هو أن القسم الثاني - وهو ما إذا كان التزاحم ناشئا عن التضاد بين الواجبين اتفاقا - داخل في القسم الأول، وهو ما إذا كان التزاحم فيه ناشئا عن عدم القدرة اتفاقا، ضرورة أن المضادة بين فعلين من باب الاتفاق لا يمكن تحققها إلا من ناحية عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في مقام الإتيان والامتثال. وعليه فلا معنى لجعله قسما ثانيا من التزاحم في قبال القسم الأول، بل هو هو بعينه.
وأما ما ذكره (قدس سره) من أن المضادة بين الفعلين إذا كانت دائمية فتقع المعارضة بين دليلي حكميهما ففي غاية الصحة والمتانة في الضدين اللذين لا ثالث لهما، كالحركة والسكون وما شاكلهما، ضرورة أنه لا يعقل تعلق الأمر بهما حتى على نحو الترتب، كما تقدم (1).
وأما في الضدين اللذين لهما ثالث - كالقيام والقعود والسواد والبياض ونحوهما - فالأمر ليس كما أفاده، وذلك لأن المعارضة في الحقيقة ليست بين نفس دليليهما كما هو الحال في الضدين اللذين لا ثالث لهما، وإنما هي بين إطلاق كل منهما وثبوت الآخر. وعليه فلا موجب إلا لرفع اليد عن إطلاق كل منهما بتقييده عند الإتيان بمتعلق الآخر، لوضوح أنه لا معارضة بين أصل ثبوت