ويرد عليه: أن الركيزة الثانية وإن كانت في غاية الصحة والمتانة - كما سبق (1) - إلا أن الأولى منهما واضحة البطلان.
والوجه في ذلك: هو أن ما ذكره الكعبي في هذه الركيزة: إما مبتن على مانعية وجود أحد الضدين عن الضد الآخر بدعوى: أن فعل الحرام بما أنه مضاد لغيره من الأفعال الوجودية فلا محالة يتوقف تركه على فعل ما من تلك الأفعال من باب توقف عدم الشئ على وجود مانعه. وإما مبتن على دعوى: الملازمة بين حرمة شئ ووجوب ضده.
ولكن كلا الأمرين واضح الفساد.
أما الأمر الأول: فقد تقدمت استحالة مانعية وجود أحد الضدين عن الضد الآخر بصورة مفصلة، فلا يكون عدم الضد مستندا إلى وجود ضده، بل هو: إما مستند إلى عدم مقتضيه، أو إلى وجود المقتضي للضد الآخر. وعلى هذا فلا يكون ترك الحرام متوقفا على فعل ما غير الحرام من الأفعال الوجودية، بل يكفي في عدمه عدم إرادته، وعدم الداعي إليه، أو إرادة إيجاد فعل آخر (2).
وكيف كان فلا يتوقف ترك الحرام على أحد تلك الأفعال، على أن الكبرى أيضا غير ثابتة، وهي: وجوب مقدمة الواجب كما سبق (3).
وأما الأمر الثاني: فلما عرفت من أنه لا دليل على سراية الحكم من أحد المتلازمين إلى الملازم الآخر.
نعم، ربما يمكن أن يعلم المكلف بأنه لو لم يأت بفعل ما غير الحرام لوقع في الحرام باختياره وإرادته، فحينئذ وإن وجب الإتيان به فرارا عن الوقوع في الحرام إلا أن وجوبه عقلي لا شرعي كما تقدم.
إذا فما أفاده الكعبي من انحصار الأفعال الاختيارية بالواجب والحرام