أنه لا يتمكن من الجمع بينهما في مقام الامتثال، وعليه فلا محالة لا يكون أحدهما فعليا، لما عرفت من أن فعلية الحكم تتبع فعلية موضوعه، وهو القدرة في مفروض المقام، وحيث إن فعلية القدرة بالإضافة إلى كلا الحكمين ممتنعة على الفرض امتنعت فعلية كليهما معا.
ومن البديهي أن هذا المقدار من التنافي لا يمنع من جعلهما على نحو القضية الحقيقية، لوضوح أنه لو كان مانعا فإنما يكون من جهة أنه يوجب كون جعلهما لغوا. ومن الواضح أنه لا يوجب ذلك باعتبار أنه تناف اتفاقي في مادة شخص ما، والموجب له إنما هو التنافي الدائمي وبالإضافة إلى جميع المكلفين كما هو الحال في الضدين اللذين ليس لهما ثالث، حيث لا يمكن للشارع إيجابهما معا فإنه لغو محض، وصدوره من الحكيم محال، بل الحال كذلك في مطلق الضدين، ولو كان بينهما ثالث كالقيام والقعود والسواد والبياض وما شاكلهما فإنه لا يمكن للشارع إيجاب كليهما معا في زمان واحد، وذلك لعدم تمكن المكلف من الجمع بينهما في مقام الامتثال أبدا، من جهة أن التنافي بينهما أبدي لا اتفاقي. وعليه فإيجابهما لغو محض فلا يصدر من الحكيم.
ومن هنا قد ذكرنا سابقا: أن التضاد بين الفعلين إذا كان دائميا كان دليل وجوب أحدهما معارضا لدليل وجوب الآخر لا محالة، فالملاك الرئيسي للدخول في باب التزاحم: هو أن يكون التضاد بينهما اتفاقيا (1) بمعنى أنه كان في مورد دون آخر، وبالإضافة إلى مكلف دون مكلف آخر. وقد مر أن مثل هذا التنافي والتضاد لا يكون مانعا عن الجعل أبدا. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: أن المنشأ الأساسي لهذا التنافي والتضاد إنما هو عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في مرحلة الامتثال والإطاعة اتفاقا، بعد ما كان قادرا على إتيان كل واحد من الفعلين في نفسه مع قطع النظر عن الآخر، ولكنه لم يقدر على الجمع بينهما في الخارج صدفة، لا من ناحية المضادة بينهما دائما، بل