الثالث: أن مسألة الترتب من المسائل العقلية فإن البحث فيها عن الإمكان والاستحالة، بمعنى: أن الأمر بالضدين على نحو الترتب هل هو ممكن أم لا؟ ومن الواضح جدا أن الحاكم بالاستحالة والإمكان هو العقل لا غيره، ولا دخل للفظ في ذلك أبدا.
الرابع: أن إمكان تعلق الأمر بالضدين على طريق الترتب كاف لوقوعه في الخارج فلا يحتاج وقوعه إلى دليل آخر.
والوجه في ذلك: هو أن تعلق الأمر بالمتزاحمين فعلا على وجه الإطلاق غير معقول، لأنه تكليف بما لا يطاق وهو محال، ضرورة استحالة الأمر بإزالة النجاسة عن المسجد والصلاة معا في آخر الوقت، بحيث لا يقدر المكلف إلا على إتيان إحداهما. ولكن هذا المحذور - أي لزوم التكليف بالمحال - كما يندفع برفع اليد عن أصل الأمر بالواجب المهم سواء أأتى بالأهم أم لا كذلك يندفع برفع اليد عن إطلاق الأمر به، إذا يدور الأمر بين أن ترفع اليد عن أصل الأمر بالمهم على تقدير امتثال الأمر بالأهم، وعلى تقدير عصيانه، وأن ترفع اليد عن إطلاقه لا عن أصله، يعني على تقدير الامتثال، لا على تقدير العصيان.
ومن الواضح جدا أن المحذور في كل مورد إذا كان قابلا للدفع برفع اليد عن إطلاق الأمر فلا موجب لرفع اليد عن أصله فإنه بلا مقتض، وهو غير جائز. وفي المقام بما أن المحذور المزبور يندفع برفع اليد عن إطلاق الأمر بالمهم فلا مقتضى لرفع اليد عن أصله أصلا، إذ الضرورة تتقدر بقدرها، وهي لا تقتضي أزيد من رفع اليد عن إطلاقه، وعليه فالالتزام بسقوط الأمر عنه رأسا بلا مقتض وسبب، وهو غير ممكن.
وبتعبير ثان: أن المكلف لا يخلو من أن يكون عاصيا للأمر بالأهم، أو مطيعا له، ولا ثالث، وسقوط الأمر بالمهم على الفرض الثاني - وهو فرض إطاعة الأمر بالأهم - واضح، وإلا لزم المحذور المتقدم. وأما سقوطه على الفرض الأول - وهو فرض عصيان الأمر بالأهم وعدم الإتيان بمتعلقه - فهو بلا سبب يقتضيه، فإن