وأما الجهة الرابعة فيقع الكلام فيها في موردين:
الأول: فيما تقتضيه القاعدة في المتعارضين.
الثاني: في مرجحاتهما.
أما المورد الأول فقد ذكرنا في بحث التعادل والترجيح: أن مقتضى القاعدة سقوط المتعارضين عن الحجية وفرضهما كأن لم يكونا.
والوجه في ذلك: هو أن دليل الاعتبار لا يشمل كليهما معا، لاستحالة التعبد بالمتناقضين أو الضدين، فشموله لأحدهما المعين وإن لم يكن مانعا في نفسه إلا أنه معارض لشموله للآخر، حيث إن نسبته إلى كليهما على حد سواء. وعليه فالحكم بشموله لهذا دون ذاك ترجيح بلا مرجح، وأحدهما لا بعينه ليس فردا ثالثا، فإذا يسقطان معا، فيرجع إلى العموم أو الإطلاق إن كان، وإلا فإلى أصل عملي. وتمام الكلام في ذلك بصورة مشروحة في بحث التعادل والترجيح إن شاء الله تعالى (1).
وأما المورد الثاني فقد ذكرنا في بحث التعادل والترجيح: أن مرجحات باب التعارض تنحصر بموافقة الكتاب أو السنة، وبمخالفة العامة، وليس غيرهما بمرجح. هذا من ناحية (2).
ومن ناحية أخرى: أن الترجيح بهما يختص بالخبرين المتعارضين، فلا يعم غيرهما من آيتين متعارضتين، أو ظاهرين متعارضين، أو إجماعين متعارضين، بل لا يعم فيما إذا كان أحد المتعارضين خبرا والآخر إجماعا مثلا.
فالنتيجة: أن هاهنا دعاوى ثلاث:
الأولى: انحصار المرجح بخصوص موافقة الكتاب أو السنة، ومخالفة العامة.
الثانية: أن غيرهما من صفات الراوي ونحوها ليس بمرجح.
الثالثة: أن الترجيح بهما يختص بالخبرين المتعارضين فلا يعم غيرهما.