بما أن فيه كلفة زائدة فهي مدفوعة بأصالة البراءة عقلا ونقلا. وهذا بخلاف الإطلاق، حيث إنه ليس فيه أية كلفة لتدفع بأصالة البراءة، فإذا ينحل العلم الإجمالي بجريان الأصل في أحد طرفيه دون الآخر. وتفصيل الكلام في ذلك في بحث البراءة والاشتغال (1).
والغرض من التعرض هنا: الإشارة إلى عدم صحة ما أفاده شيخنا الأستاذ (قدس سره) من الأخذ بالاحتياط في دوران الأمر بين التعيين والتخيير مطلقا.
وأما المقام الثاني (2) - وهو ما إذا كان الواجبان المتزاحمان متساويين ولم تحتمل أهمية أحدهما على الآخر أصلا، أو احتملت أهمية كل منهما بالإضافة إلى الآخر - فلا مناص من الالتزام بالتخيير فيه، ضرورة أنه لا يجوز رفع اليد عن كليهما معا، فهذا لا كلام فيه، وإنما الكلام في أن هذا التخيير عقلي أو شرعي.
وقد اختار شيخنا الأستاذ (قدس سره) في المقام أن التخيير عقلي على عكس ما اختاره في المسألة المتقدمة (3)، وهي: ما إذا كان كل من الواجبين المتزاحمين مشروطا بالقدرة شرعا.
وغير خفي أن كون التخيير في المقام عقليا أو شرعيا يرتكز على القول بإمكان الترتب واستحالته.
فعلى الفرض الأول لابد من القول بكون التخيير عقليا.
والوجه في ذلك واضح، وهو: أن لازم هذا الفرض ثبوت كل من التكليفين المتزاحمين على نحو الترتب والاشتراط، بمعنى أن فعلية كل منهما مشروطة بترك امتثال الآخر وعدم الإتيان بمتعلقه خارجا، فإن معنى الترتب من الجانبين يرجع إلى تقييد إطلاق كل من التكليفين بعدم امتثال الآخر.
ومن المعلوم أن هذا التقييد ليس أمرا حادثا بحكم العقل فعلا، بل هو نتيجة اشتراط التكاليف بالقدرة عقلا من الأول، فإن ذلك الاشتراط يقتضي هذا التقييد