وهذا التفصيل مما خطر ببالي العليل في سابق الزمان، وهو جيد وجيه، وقد تقدم في المباحث السابقة من هذا الكتاب ما يؤيده.
ويؤيد هذا التفصيل الذي ذكرناه ما وفق الله سبحانه للوقوف عليه في كلام شيخنا زين الملة والدين في المسالك في مسألة العقد علي بنت الأخ وبنت الأخت على العمة والخالة بغير إذنها حيث إنه قيل في المسألة ببطلان العقد، وقيل بالصحة وأن للعمة والخالة الخيار في فسخه وعدمه.
وقد استدل القائل بالبطلان بالنهي عنه. ورده في المسالك بأن النهي لا يدل على الفساد في المعاملات، ثم قال - بعد ذلك - فإن قيل: النهي في المعاملات وإن لم يدل على الفساد بنفسه، لكنه إذا دل على عدم صلاحية المعقود عليها للنكاح فهو دال على الفساد من هذه الجهة، كالنهي عن نكاح الأخت، وكالنهي عن بيع الغرر، والنهي في محل النزاع من هذا القبيل. قلنا: لا نسلم دلالتها هنا على عدم صلاحية المعقود عليها للنكاح، فإنها عند الخصم صالحة له، ولهذا صلحت مع الإذن، بخلاف الأخت، وبيع الغرر، فإنهما لا يصلحان أصلا، وصلاحية الأخت على بعض الوجوه - كما لو فارق الأخت - لا يقدح، لأنها حينئذ ليست أخت الزوجة، بخلاف بنت الأخت ونحوها فإنها صالحة للزوجية، مع كونها بنت أخت الزوجة والأخبار دلت على النهي عن تزويجها، وقد عرفت أنه لا يدل على الفساد، فصار النهي عن هذا التزويج من قبيل ما حرم لعارض كالبيع وقت النداء لا لذاته. والعارض هو عدم رضاء الكبيرة، فإذا لحقه الرضا زال النهي. انتهى.
وقد ظهر منه ما ذكرناه من التفصيل، باعتبار رجوع النهي تارة إلى المعقود عليه من حيث عدم صلاحيته لايقاع العقد عليه فيكون العقد باطلا، وتارة إلى أمر خارج عنه فلا يستلزم الفساد، ومنه بنت الأخ وبنت الأخت، كما اختاره. فإن النهي عنهما إنما وقع باعتبار أمر خارج، وهو عدم رضاء العمة والخالة، فيكون العقد صحيحا مراعى بالرضا، ولا يخفى أنه قد تقدم لنا تحقق في هذه المسألة في باب صلاة