فقول ابن إدريس ومن تبعه: إنا نبيع أملاكنا وآثارنا وبنياننا، إنما يتم لو كان الذي للمسلمين وقت الفتح إنما هو رقبة الأرض العامرة خاصة، وأما الأملاك فإنها على هذا ملك لمن في يده، وهو خلاف الظاهر من الأخبار ومن كلامهم، كما عرفت.
وبالجملة، فإني لا أعرف لكلامهم وجه استقامة، إلا أن يخص ملك المسلمين وقت الفتح برقبة الأرض دون ما فيها. وفيه: ما عرفت. أو أنه يجدد أحد بعد الفتح بناء أو غرسا أو نحو ذلك فالبيع والشراء أو الوقف ونحوها إنما هو فيما كان كذلك وهذا أيضا غير مستقيم، لأن هذه الأرض حينئذ إنما هي من البائرة وقت الفتح التي قد عرفت أنها من الأنفال وهي خارجة عن محل البحث.
نعم يمكن أن يقال: إن هذه الأملاك والأراضي بعد الفتح إذا تقبلها أحد من الإمام وعمرها وبنى فيها وغرس وزرع وتصرف بهذه التصرفات ونحوها، مع دفعه كل سنة وجه القبالة له عليه السلام أو نايبه، فإنه يجوز البيع والشراء والوقف في تلك الأملاك المحدثة، مع القيام بما عليها من وجه القبالة، دون رقبة الأرض.
وإلى ذلك يشير خبر بردة بن رجاء المتقدم، ورواية محمد بن شريح المتقدمة أيضا، ونحوهما غيرهما، وظاهر هذه الأخبار وقوع البيع والشراء في هذه الأراضي في وقتهم - عليهم السلام - وإن لم يكن بإذنهم. ومنه يظهر قوة ما ذهب إليه ابن إدريس ومن تبعه. إلا أن هذا لا يجري في بناء المساجد.
إلا أن يقال: إنها من المصالح العامة للمسلمين التي هي أحد مصارف هذه الأراضي، فيجوز بناؤها لذلك، وأما وقف أرضها على المسجدية، كما هو ظاهر كلام الأصحاب في بحث المساجد، فلا يتصور هنا. لأن الأراضي غير مملوكة للواقف وهو شرط صحة الوقف، إلا أنك قد عرفت في بحث المساجد من كتاب الصلاة: أنه لا دليل على ما ذكروه من اشتراط الوقفية في أرض المسجد، فلا اشكال.
وعلى ما حققناه فيجب تقييد كلام الشيخ وأتباعه بالمنع من التصرف في