ويحسبون أنفسهم في الأعلين، ويظنون أنهم من القاطنين في الملأ الأرقى والسرادقات العلى، كلا إنهم في غمرتهم يعمهون، وفي جهلهم منغمرون، غافلين عن أحكام الشهادة، خالطين بين العوالم وقيودها، جاهلين بحقيقة الأمر، واختلاف مراتب العوالم الكلية، كاختلاف نشأت الإنسان الصغير.
وإذا قيل لهؤلاء الثلة ولتلك الطائفة من أهل الباطل: آمنوا كما آمن الناس، وكما آمن عموم البشر عوام عاميا كان أو خواص خاصيا ولا تتخذوا سبيل الغي، فتفرق بكم، ولا تميلوا إلى التأويل بحمل الأوامر والنواهي إلى الجهات العقلية والذوقية، ولا تكونوا من المفرطين.
قالوا: أنؤمن كما آمن الناس. كلا فإنهم الأرذلون والأضلون أعمالا، ويسلكون طريق الغي والغواية وسبيل الضلالة، وينهمكون في الدنيا وظواهرها ولا يطلعون على الحقائق والرقائق ولا يدركون الدقائق والأسرار، ولا يلمسون البواطن والخفيات.
فيتوجه إليهم حين ما يترنمون بهذه الأصوات المضلة الشيطانية:
* (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) *، فالآية لا تختص بجماعة المفرطين فقط، وهم المنافقون، بل تشمل هؤلاء المفرطين، فيكون هذا السبيل - أيضا - ممنوعا في الشريعة وباطلا، ومن السفاهة عند الله تبارك وتعالى.
أقول: ما مر عين الحق وحق الصدق إلا أن مجرد إمكان تطبيق الآية الشريفة عليهم، لا يشهد على أن الآية تدل - حسب الدلالة العرفية - على حرمة مسلكهم ومرامهم، كما لا يخفى. والله العالم بالأسرار والخفيات.