لا يتوقع ذلك من المنافقين المبتدين. اللهم إلا أن يقال: بأنه من تشبيه الجملة بالجملة على ما عرفت منا.
هذا، مع أن المناسب هنا هو الترغيب بالإيمان، وتسهيل الأمر عليهم، بأن الناس هم المؤمنون، فالإيمان أمر بسيط يتمكن منه كل الناس، مع أن فيه تحذيرا من جنود الإسلام، وأن الناس كلهم آمنوا، ولم يبق منهم إلا أنتم، نعم ليس المقصود كل الناس على العموم الاستغراقي، بل هو الناس في محيط الحجاز ومدنها وقراها، بل يمكن أن يكون النظر إلى كفهم عن النفاق، وزجرهم عن الإظهار والإبطان، وإلى أن يؤمنوا كما آمن الناس بأديانهم ورسلهم وكتبهم، وليسوا منافقين في ذلك، فلا يبطنوا أمرهم.
وبالجملة: يندفع شبهة ترد على ظاهر الآية وهي: أن قوله تعالى:
* (كما آمن الناس) * إخبار عن إيمان الناس، وظاهرها الجمع والعموم الاستغراقي بالضرورة، مع أن الأمر ليس كذلك، لأن أكثر الناس غير مؤمنين.
وجه الاندفاع: مضافا إلى إمكان كون العمومات وألفاظها غير مستوعبة إلا بعد مقدمات الإطلاق، فيكون الآية في المشبه به مهملة، أي أن المشبه به هي الطبيعة الجنسية المهملة، لا العامة المستوعبة، يمكن أن نقول: بأن المقصود أن يرفضوا نفاقهم، ويكونوا مؤمنين كسائر الناس، وغير منافقين في ديانتهم واعتقادهم، سواء كانوا يهوديا أو نصرانيا أو حنفيا، مسلما أو صابئا، أو غير ذلك، بل تشمل الآية - من هذه الجهة - تمام المشركين الذين يظهرون شركهم، فإنهم مؤمنون بشركهم وبكفرهم، ومعتقدون بذلك، فالمنافق أسوأ حالا من جميع الناس، لما فيه من الشر الكثير والإفساد العام فنهوا عنه.