وأما الآية المشار إليها - وهو قوله تعالى: * (ولا تقولوا) * (1) - فهي ليست في مورد العلم بالخلاف، مع احتمال كون الاعتقاد مطابقا للكلام والإظهار.
وأما قوله تعالى: * (وقالت الاعراب آمنا) * (2) فهي أيضا في مورد نفي الإيمان القلبي الراسخ البالغ إلى حد الملكة والطبيعة، وهذا لا ينافي الإسلام اعتقادا، كما هو حال نوع المسلمين.
أقول: الحق أن المنافقين الذين يظهرون الإسلام نظرا إلى التجسس وإيقاع الفتنة، وينسلكون في سلك المسلمين متوجهين إلى إيقاع الفساد والخلاف والبغضاء حتى يصلوا إلى ما أضمروه، من الكافرين الذين اشتهر نجاستهم في الفقه، ولا يكفي مجرد الإظهار المزبور لخروجهم عن تلك الطائفة، ويصح أن يقال في حقهم: إنهم ليسوا بمؤمنين.
وأما الذين يظهرون الإسلام صيانة لدمائهم، وناظرين إلى أن الإسلام ربما يتقدم، ويعيشون تحت لوائه وفي ظلاله أحسن العيشة وأكرم الحياة، فيكون إظهارهم [حفاظا] على مصالحهم الشخصية أو الطائفية، ويجاهدون في سبيله، ويضحون بأنفسهم لرقاه وسلطته، من غير نظر إلى هدم الإسلام، أو إلقاء البغضاء والعداوة بين المسلمين، فهم حسب الأدلة المشار إليها لا يبعد طهارتهم الظاهرية.
فهنا طائفتان من المنافقين: الأولى نجسة خبيثة جدا، والثانية