ومنها: أن ذلك مخصوص بصورة الاستقبال والتخاطب، نحو أتقول زيدا منطلقا، أي أتظن. وأما بنو سليم فيجرون القول مجرى الظن مطلقا (1)، فيقال: * (ومن الناس من يقول آمنا بالله) * أي يظن * (وما هم بمؤمنين) *.
ومن المحتمل كون القول لمعنى أعم من التلفظ باللسان، والمتكلم بالكلام المعتمد على المخارج المخصوص به الإنسان، لما كثر استعماله في القرآن الكريم في الأعم، ومنه: * (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) * (2)، * (قالت نملة يا أيها النمل) * (3)، * (كمثل الشيطان إذ قال للانسان أكفر) * (4)، ومن ذلك نسبة القول إلى الله تعالى، فإنه لو كان معنى القول ما أفاده أهل اللغة يلزم المجاز الشائع إلى حد الحقيقة الثانوية الاكتسابية، ومنه قوله تعالى: * (ومن الناس من يقول آمنا بالله) *، فإنه ربما كان عملهم يعرب عن ذلك، من غير أن يتلفظوا بالإيمان حذرا من انكشاف آرائهم الفاسدة.
والإنصاف: إن التجوزات في اللغة العربية - ولا سيما في الكتاب الإلهي لأجل كونه في أفق أعلى من أفق اللغات - كثيرة جدا، ولا نمنع من الحقيقة الأخرى اللغوية إلى حد مهجورية المعنى الأولي العرفي، فضلا عن التوسع الخالي عن الحاجة إلى القرينة.