وتقدمهم الطبعي وسبقهم المعنوي، والآيتان بعدها تضمنت حال الكفار، وسبب تأخرهم عن المتقين واضح، ولأجله اختصر في حقهم بالإيجاز الموافق لمقتضى الحال، ولكفاية مذمتهم في ضمن الآيتين.
وأما الطائفة الثالثة: وهم المنافقون، فهم أرذل الناس قدرا وأخسرهم حالا، فتأخرت الآيات المشتملة على أحوالهم، وبلغ عددها إلى ثلاثة عشر إشارة إلى أن سوء حالهم لا يظهر في ضمن آية أو آيات، وإيماء إلى نحوستهم وخسرانهم وشقاوتهم، وخلوهم عن جميع المحاسن الإنسانية، التي منها الصراحة والوضوح المعلوم من حال الكفار دونهم.
ولعل اشتهار عدد الثلاثة عشرة بالنحوسة بين جمع من الناس كان منشؤه ذلك. والله العالم.
ثم إن الخبير البصير يطلع - بعد ما تبين منا فيما سلف - على أن المسالك المزبورة لا تنافي بينها في الكتاب الكلي الإلهي، والمشارب المذكورة لا تضاد يتراءى منها في هذا الدفتر السماوي، بل كل يشرب من هذه الشرعة على قدر وسعه من غير أن ينقص منه شئ، أو أن يصل أحد إلى مغزاه ومخه، وإلى حقيقته ورقيقته ومرامه.
وما يخطر بالبال فيقال: بأن الآراء المشار إليها والأقوال المومى لها، غير قابلة لأن تجتمع في قالب وحداني، فإن الألفاظ والقوالب تقصر عن تحمل القلوب الكثيرة، و * (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) * (1) وقالبه، محكوم وسخيف جدا، بأن القالب الإلهي عار عن التعين الخاص