وأما ما اشتهر في الأصول وفي بعض التفاسير: من أن التكليف في هذه الأحيان من إتمام الحجة، فهو غير مرضي عندنا، لأن تمامية الحجة موقوفة على إمكان ترشح الإرادة الجدية وعلى التكليف الواقعي الجدي، وهذا غير ممكن حسب الفرض.
وغير خفي: أن الآية تشير إلى أن الإنذار وعدم الإنذار السابق، ليس يفيد ويؤثر في شئ، وأما الإنذار لما بعد ذلك وفي المستقبل فربما هو يفيد، وتكون الآية من هذه الجهة ساكتة.
إن قلت: ظاهر قوله تعالى: * (لا يؤمنون) * أن التسوية لا تختص بالزمان الماضي، بل هي تسري إلى مطلق الأزمنة.
قلت: قد تحرر في الأصول، ومضى في البحوث السابقة في ذيل الآيات الماضية، خلو الفعل المضارع عن الزمان الحالي والاستقبالي.
ومما يؤيد ذلك: أن المضارع بمجرد دخول " لم " عليه ينقلب إلى الماضي كما في هذه الآية الشريفة * (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم) *، فإن صيغة " لم تنذر " لنفي الفعل في الماضي، فتكون هذه الآية من هذه الجهة أيضا دليلا على مسألة أخرى في الأصول، وهو خلو المضارع عن الاقتران بأحد الأزمنة الثلاثة.
وبالجملة: إذا لم يكن إنذاره (صلى الله عليه وآله وسلم) وعدم إنذاره، متساوي النسبة بعد عصر نزول هذه الآية، فلا يلزم كونهم مكلفين بما لا يقتدرون عليه، ولا يلزم أيضا عدم إمكان تكليفهم بالإيمان بعد العلم بأنهم لا يؤمنون، فليتدبر جيدا.