المتتبع لموارد الأخبار والمتصفح لمضامين الآثار - أن الأحكام المودعة فيها إنما هي مقصورة على ما هو الشائع المتعارف لا على الفروض النادرة، ومع عدم أظهرية هذا الاحتمال فلا أقل من الاجمال الموجب لعدم جواز الاعتماد عليها في الاستدلال وبقاء المسألة في قالب الشك والاشكال، وحينئذ فالواجب التمسك بيقين الطهارة، لقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة (1): (حتى يجئ من ذلك أمر بين، وإلا فإنه على يقين من وضوئه، ولا ينقض اليقين أبدا بالشك، ولكن ينقضه بيقين آخر).
وما أجاب به بعض فضلاء متأخري المتأخرين - من عدم دلالة الحديث المذكور على مثل هذه الصورة، قال: (الذي أفهم من الخبر المذكور عدم حصول الانتقاض بالشك في وجوب ما ثبت كونه حدثا، ولا يدخل فيه الشك في حديثة ما يتيقن وجوده) وقال في موضع آخر: (إن المقطوع به من الخبر هو ما ثبت كونه ناقضا لو شك في وجوده وعدمه، فإنه لا يرفع يقين الطهارة قبله. وأما الشك في فردية بعض الأشياء لما هو ناقض فلا دلالة في الخبر عليه) - فيه ما تقدم في المقدمة الحادية عشرة (2).
وبما ذكرنا يظهر لك توجه المناقشة في الفردين الآخرين المدعى عليهما الاجماع أعني ما لو اتفق المخرج من غير الموضع المعتاد خلقة أو بعد انسداد المعتاد، فإنه مع إلغاء الاجماع - كما هو الحق الحقيق بالاتباع - والرجوع إلى الأخبار مع كون المراد منها ما ذكرنا من الحمل على الفرد الغالب المتعارف - يبقى حكم الفردين المذكورين مغفلا.
قال السيد السند (قدس سره) في المدارك - بعد قول المصنف: (ولو اتفق المخرج في غير الموضع المعتاد نقض) - ما هذا لفظه: (هذا الحكم موضع وفاق، وفي الأخبار باطلاقها ما يدل عليه، وفي حكمه ما لو انسد المعتاد وانفتح غيره) انتهى.
وفيه أنه قبل هذا الكلام - بعد أن نقل كلامي الشيخ وابن إدريس واستدلالهما