خصوص ما ذكره في كتاب فقه الرضا (1) قال (عليه السلام): " وإن كنت على يقين من الوضوء والحدث ولا تدري أيهما سبق فتوضأ " وبهذه العبارة صبح في الفقيه من غير اسناد إلى إمام كما هي عادته غالبا من كون ما ينقله فيه عاريا عن النسبة مأخوذا من هذا الكتاب كما أشرنا إليه آنفا، ولأنه من المعلوم المقطوع ايجاب الشارع لدخول في الصلاة بطهارة يقينية والمنع من الدخول بالحدث، وهذان اليقينان هنا قد تصادما، ولم يعلم من الشارع ترجيح لأحدهما، فالعمل على أحدهما ترجيح من غير مرجح، فيجب الغاؤهما معا والرجوع إلى حكم الأصل من البقاء على الحدث الذي لا ينفك الانسان عنه في سائر أحواله، ومع المناقشة فيما ذكرنا لا أقل أن يكون ذلك من قبيل الشبهات المأمور فيها بالاحتياط كما استفاض عن أهل العصمة (سلام الله عليهم) ولا ريب أن الاحتياط في الطهارة (لا يقال): إن الاحتياط ليس بدليل شرعي كما يتداوله جملة من المتأخرين ومتأخريهم (لأنا نقول): قد قدمنا لك في المقدمة الرابعة ما يدل على كونه في مثل هذا المقام دليلا شرعيا.
وفي المسألة قولان آخران: (أحدهما) - لثاني المحققين صريحا وأولهما ظاهرا، وهو أنه ينظر إلى حاله قبل الطهارة والحدث المفروضين فإن جهلها تطهر وإن علمها أخذ بضد ما علمه، واحتج عليه في المعتبر بأنه إن كان سابقا محدثا فقد تيقن رفع ذلك الحدث بالطهارة المتيقنة مع الحدث الآخر، لأنها إن كانت بعد الحدثين أو بينهما فقد ارتفعت الأحداث السابقة بها، وانتقاضها بالحدث الآخر غير معلوم للشك في تأخره، فيكون متيقنا للطهارة شاكا في الحدث، وإن كان متطهرا فقد تيقن أنه نقض تلك الطهارة بالحدث المتيقن مع الطهارة، ورفعه بالطهارة الأخرى غير معلوم لجواز تقدمها عليه تجديدا للطهارة السابقة أو مع الذهول عنها، فيكون متيقنا للحدث شاكا في الطهارة، وضعفه ظاهر، لأن الأحداث السابقة في الصورة الأولى وإن ارتفعت بالطهارة المجامعة