وأما ما تضمنته رواية ابن بكير من أن " من لم يستيقن أن الواحدة تجزيه لم يؤجر على الثنتين " فلعل معناه أنه لما كانت الواحدة هي الفرض من الله سبحانه وأن الواجب المفروض يتأدى بمثل الدهن كما استفاضت به الأخبار، فمن لم يعتقد اجزاءها بل اعتقد فرض الثنتين كان مبدعا مشرعا في وضوئه، لاعتقاده وجوب ما ليس بواجب وهو الثانية فلا يؤجر على وضوئه، وهو عين ما ذكره الصدوق مما قدمنا نقله عنه.
وأما ما تضمنته مرسلة ابن أبي عمير (2) - وهي مضمون عبارة الصدوق المتقدمة أولا من أن " الوضوء واحدة فرض واثنتان لا يؤجر والثالثة بدعة " - فيحتمل بمعونة ما ذكرناه في رواية ابن بكير أن الواحدة والاثنتين بمعنى الغرفة وأن عدم الأجر على الثنتين مع عدم اعتقاد اجزاء الواحدة التي هي الفرض، وأما الثالثة فهي بدعة لأنها زيادة على ما جاءت به السنة، بخلاف الثانية، فإنها سنة للاسباغ بها كما عرفت، ولعل في التعبير بعدم الأجر إشارة إلى ذلك. ويحتمل حمل الواحدة والاثنتين على الغسلة والغسلتين، ومعناه حينئذ أن الغسلة الواحدة فرض والغسلتان لا يؤجر. وقد عرفت أن معنى هذا اللفظ الكناية عن البدعية والتحريم، وحينئذ فيكون المراد بلفظ البدعة في الثالثة بمعنى المبتدع المخترع لا ما قابل السنة، وإلا فقد عرفت أن الثانية بدعة بذلك المعنى، فمرجع عدم الأجر في الثانية والبدعية في الثالثة إلى أمر واحد.
وأما ما ذكره جملة من محققي متأخري متأخرينا - من عدم تحريم الغسلة الثانية بل عدم الكراهة، مستندين إلى عدم الدليل على ذلك وأن لفظ " لا يؤجر " في الأخبار غاية ما يفهم منه عدم الأولوية - ففيه ما عرفت في تحقيق كلام الشيخين المتقدمين، ويزيده هنا أنها مع زيادتها وعدم كونها جزء من العبادة - كما يعترفون به - فأما أن يعتقد المكلف في حال استعماله لها شرعيتها واستحبابها، وهذا مما لا يستراب في تحريمه