منهم كما عرفت سابقا، والمناقشة بجواز الاتيان بها لا بهذا الاعتقاد أمر خارج عن محل البحث ولا خصوصية له بهذا المقام، بل هي مسألة على حيالها، فإن إدخال الأفعال الأجنبية في العبادة لا بقصد كونها منها بل لغرض آخر أو خالية من الغرض إن توجه له المنع من جهة أخرى غير جهة فعله امتنع من تلك الجهة وإلا فلا، ألا ترى أن الصلاة التي هي عبادة متصلة قد جوز الشارع اشتمالها على بعض الأفعال الأجنبية لأغراض خاصة وحرم بعضا آخر لمنافاته لها، فالوضوء الذي هو عبادة منفصل بعضها عن بعض أجدر بالجواز، إلا أنه ينقدح الاشكال فيما نحن فيه من وجه آخر، وهو وجوب المسح ببلة الوضوء على الأشهر الأظهر، والحال أن بلة الثالثة ليست منه اتفاقا من المحرمين والمجوزين، لا من مجرد الاتيان بها، وإلا فلو تمضمض أربعا أو زاد في غسل الوجه واليدين على الحدود المقررة شرعا لا بقصد العبادة في شئ من ذلك فإنه لا ضرر فيه، لما عرفت آنفا من أن الأفعال تابعة للقصود والنيات في تميز بعضها عن بعض وترتب آثارها عليها.
(ثانيها) - ما ذكره من أنه مع اعتقاد استحبابها فغاية ما يلزم منه تحريم الاعتقاد لا الفعل ظاهر البطلان، كيف والأفعال - كما عرفت - تابعة للقصود والنيات صحة وبطلانا وثوابا وعقابا، ومما لا ريب فيه أن هذا الفعل منهي عنه عموما لدخوله في البدع المحرمة في الدين، وخصوصا في مرسلة ابن أبي عمير ورواية زرارة السالفتين (1) ولا معنى للمحرم إلا ما نهى الشارع عنه نهيا توجب مخالفته الإثم، وهو هنا كذلك.
(ثالثها) - أنه لو تم ما رتبه من الغاية المذكورة لجرى فيما لو زاد ركعة في صلاته عامدا معتقدا وجوبها فضلا عن استحبابها، فإن غاية الأمر تحريم اعتقاد وجوبها ولا يلزم منه تحريمها، بل يلزم في كل مبدع في الدين أن يكون ما يأتي به من البدع جائزا غير محرم وإن حرم قصده واعتقاده جواز ذلك فيأثم على مجرد هذا القصد والاعتقاد،