الموجب للمدح والثواب، ومن المقطوع به أنك لو تكلفت تخيل ذلك بجنانك وذكرته على لسانك لكنت سخرية لكل سامع ومضحكة في المجامع، وهذا شأن النية في الصلاة أيضا، فإن المكلف إذا دخل عليه وقت الظهر مثلا وهو عالم بوجوب ذلك الفرض سابقا وعالم بكيفيته وكميته. وكان الغرض الحامل له على الاتيان به الامتثال لأمر الله سبحانه مثلا، ثم قام عن مكانه وسارع إلى الوضوء، ثم توجه إلى مسجده ووقف في مصلاه مستقبلا، وأذن وأقام ثم كبر واستمر في صلاته. فإن صلاته صحيحة شرعية مشتملة على النية والقربة.
وإن أردت مزيد ايضاح لمعنى النية فاعلم أن النية المعتبرة مطلقا إنما هي عبارة عن انبعاث النفس وميلها وتوجهها إلى ما فيه غرضها ومطلبها عاجلا أو آجلا، وهذا الانبعاث والميل إذا لم يكن حاصلا لها قبل فلا يمكنها اختراعه واكتسابه بمجرد النطق باللسان أو تصوير تلك المعاني بالجنان هيهات هيهات، بل ذلك من جملة الهذيان، مثلا - إذا غلب على قلب المدرس أو المصلي حب الشهرة وحسن الصيت واستمالة القلوب إليه لكونه صاحب فضيلة أو كونه ملازم العبادة وكان ذلك هو الحامل له على تدريسه أو عبادته، فإنه لا يتمكن من التدريس أو الصلاة بنية القربة أصلا وإن قال بلسانه أو تصور بجنانه (أصلي أو أدرس قربة إلى الله) وما دام لم يتحول عن تلك الأسباب الأولة وينتقل عن تلك الدواعي السابقة إلى غيرها مما يقتضي الاخلاص له تعالى، فلا يتمكن من نية القربة بالكلية، وحينئذ فإذا كانت النية إنما هي عبارة عن هذا القصد البسيط الذي لا تركيب فيه بوجه، ولا يمكن مفارقته لصاحبه بعد تصور تلك الأسباب الحاملة على الفعل إلا بعد الدخول في الفعل، فكيف يتم ما ذكروه من معاني المقارنة المقتضية للتركيب وحصول الابتداء فيه والانتهاء، بامتداده بامتداد التكبير وانحصاره بين حاصرين من الهمزة والراء؟
إلى غير ذلك من التخريجات العرية عن الدليل، والتمحلات الخارجة عن نهج السبيل، الموقعة للناس في تيه الحيرة والالتباس والوقوع في شباك الوسواس الخناس.