ذلك محض تكلف وشطط، وغفلة عن معنى النية أوقع في الغلط، فإنه لا يخفى على المتأمل أنه ليست النية بالنسبة إلى الصلاة إلا كغيرها من سائر أفعال المكلف من قيامه وقعوده وأكله وشربه وضربه ومغداه ومجيئه ونحو ذلك. ولا ريب أن كل عاقل غير غافل ولا ذاهل لا يصدر عنه فعل من هذه الأفعال إلا مع قصد ونية سابقة عليه ناشئة من تصور ما يترتب عليه من الأغراض الباعثة والأسباب الحاملة له على ذلك الفعل، بل هو أمر طبيعي وخلق جبلي لو أراد الانفكاك عنه لم يتيسر له إلا بتحويل النفس عن تلك الدواعي الموجبة والأسباب الحاملة، ولهذا قال بعض من عقل هذا المعنى من الأفاضل - كما قدمنا نقله عنه -: (ولو كلفنا العمل بغير نية لكان تكليفا بما لا يطلق) ومع هذا لا نرى المكلف في حال إرادة فعل من هذه الأفعال يحصل له عسر في النية ولا اشكال ولا وسوسة ولا فكر ولا ملاحظة مقارنة ولا غير ذلك مما اعتبروه في ذلك المجال، مع أن فعله واقع بنية وقصد مقارن البتة، فإذا شرع في شئ من العبادات اضطرب في أمرها وحار في فكرها، وربما اعتراه في تلك الحال الجنون مع كونه في سائر أفعاله على غاية من الرزانة والسكون، وهل فرق بين العبادة وغيرها إلا بقصد القربة والاخلاص فيها لذي الجلال؟ وهو غير محل البحث عندهم في ذلك المجال، مع أنه أيضا لا يوجب تشويشا في البال ولا اضطرابا في الخيال.
وإن أردت مزيد ايضاح لما قلناه فانظر إلى نفسك، إذا كنت جالسا في مجلسك ودخل عليك رجل عزيز حقيق بالقيام له والتواضع، ففي حال دخوله قمت له اجلالا واعظاما كما هو الجاري في رسم العادة، فهل يجب عليك أن تتصور في بالك (أقوم تواضعا لفلان لاستحقاقه ذلك قربة إلى الله)؟ وإلا لكان قيامك له من غير هذا التصور خاليا من النية، فلا يسمى تواضعا ولا يترتب عليه ثواب ولا مدح، أم يكفي مجرد قيامك خاليا من هذا التصور، وأنه واقع بنية وقصد على جهة الاجلال والاعظام