إنما الأعمال حاصلة بالقصود والنيات، وإنما لكل امرئ ما قصده، وأنه لا عمل حاصل إلا متلبسا بقصد ونية. فالأول والثالث صريحا الدلالة في عدم حصول العمل بالاختيار من النفس إلا بقصدها إلى اصداره، والثاني صريح في أن المرء لا يستحق من جزاء عمله إلا جزاء ما قصده كما يدل عليه السبب فيه، وينادي به تتمته من قوله (صلى الله عليه وآله): (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) (1) ومن هنا يعلم أن مدار الأعمال - وجودا وعدما واتحادا وتعددا وجزاءها ثوابا وعقابا - على القصود والنيات.
وبما ذكرنا ثبت ما ادعيناه من ضرورية النية في جميع الأعمال، وعدم احتياجها إلى تكلف واحتمل، ووجوبها في جميع العبادات المترتب صحتها عليها، فإن الأعمال كالأشباح والقصود لها كالأرواح.
هذه جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) لما حكموا بوجوب النية في جميع العبادات وفسروها بالمعنى الشرعي، أشكل عليهم الاستدلال على الوجوب:
فاستدل بعض - منهم: السيد السند في المدارك - على ذلك بما قدمنا من الأخبار، واعترضه آخرون بمنع ذلك، قالوا: لأن الظاهر من الحصر في حديثي (إنما الأعمال بالنيات) و (لا عمل إلا بنية) (2) انتفاء حقيقة العمل عند انتفاء النية، وهو باطل، فلما تعذر الحمل على الحقيقة فلا بد من المصير إلى أقرب المجازات. والتجوز بالحمل على نفي الصحة - كما يدعيه المستدل - ليس أولى من الحمل على نفي الثواب. ولو قيل: