إذا تصدر الحدث فإنه علم كثير وقد فسره أبو عبيد في كتابه غريب الحديث فقال معناه تفقهوا وأنتم صغار قبل ان تصيروا سادة فتمنعكم الانفة عن الاخذ عمن هو دونكم فتبقوا جهالا وفسره شمر اللغوي بالتزوج فإنه إذا تزوج صار سيد أهله ولا سيما ان ولد له وقيل أراد عمر الكف عن طلب الرياسة لان الذي يتفقه يعرف ما فيها من الغوائل فيجتنبها وهو حمل بعيد إذ المراد بقوله تسودوا السيادة وهى أعم من التزويج ولا وجه لمن خصصه بذلك لأنها قد تكون به وبغيره من الأشياء الشاغلة لأصحابها عن الاشتغال بالعلم وجوز الكرماني أن يكون من السواد في اللحية فيكون أمرا للشاب بالتفقه قبل ان تسود لحيته أو أمرا للكهل قبل أن يتحول سواد اللحية إلى الشيب ولا يخفى تكلفه وقال ابن المنير مطابقة قول عمر للترجمة انه جعل السيادة من ثمرات العلم وأوصى الطالب باغتنام الزيادة قبل بلوغ درجة السيادة وذلك يحقق استحقاق العلم بان يغبط صاحبه فإنه سبب لسيادته كذا قال والذي يظهر لي ان مراد البخاري ان الرياسة وإن كانت مما يغبط بها صاحبها في العادة لكن الحديث دل على أن الغبطة لا تكون الا بأحد أمرين العلم أو الجود ولا يكون الجود محمودا الا إذا كان بعلم فكأنه يقول تعلموا العلم قبل حصول الرياسة لتغبطوا إذا غبطتم بحق ويقول أيضا ان تعجلتم الرياسة التي من عادتها ان تمنع صاحبها من طلب العلم فاتركوا تلك العادة وتعلموا العلم لتحصل لكم الغبطة الحقيقية ومعنى الغبطة تمنى المرء أن يكون له نظير ما للآخر من غير أن يزول عنه وهو المراد بالحسد الذي أطلق في الخبر كما سنبينه (قوله حدثنا إسماعيل بن أبي خالد على غير ما حدثناه الزهري) يعنى ان الزهري حدث سفيان بهذا الحديث بلفظ غير اللفظ الذي حدثه به إسماعيل ورواية سفيان عن الزهري أخرجها المصنف في التوحيد عن علي بن عبد الله عنه قال قال الزهري عن سالم ورواها مسلم عن زهير بن حرب وغيره عن سفيان بن عيينة قال حدثنا الزهري عن سالم عن أبيه ساقه مسلم تاما واختصره البخاري وأخرجه البخاري أيضا تاما في فضائل القرآن من طريق شعيب عن الزهري حدثني سالم بن عبد الله بن عمر فذكره وسنذكر ما تخالفت فيه الروايتان بعد إن شاء الله تعالى (قوله قال سمعت) القائل هو إسماعيل على ما حررناه (قوله لا حسد) الحسد تمنى زوال النعمة عن المنعم عليه وخصه بعضهم بان يتمنى ذلك لنفسه والحق انه أعم وسببه ان الطباع مجبولة على حب الترفع على الجنس فإذا رأى لغيره ما ليس له أحب أن يزول ذلك عنه له ليرتفع عليه أو مطلقا ليساويه وصاحبه مذموم إذا عمل بمقتضى ذلك من تصميم أو قول أو فعل وينبغي لمن خطر له ذلك أن يكرهه كما يكره ما وضع في طبعه من حب المنهيات واستثنوا من ذلك ما إذا كانت النعمة لكافر أو فاسق يستعين بها على معاصي الله تعالى فهذا حكم الحسد بحسب حقيقته وأما الحسد المذكور في الحديث فهو الغبطة وأطلق الحسد عليها مجازا وهى أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه والحرص على هذا يسمى منافسة فإن كان في الطاعة فهو محمود ومنه فليتنافس المتنافسون وإن كان في المعصية فهو مذموم ومنه ولا تنافسوا وإن كان في الجائزات فهو مباح فكأنه قال في الحديث لا غبطة أعظم أو أفضل من الغبطة في هذين الامرين ووجه الحصر ان الطاعات اما بدنية أو مالية أو كائنة عنهما وقد أشار إلى البدنية باتيان الحكمة والقضاء بها وتعليمها ولفظ حديث ابن عمر رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار
(١٥٢)