العلم شرط في صحة القول والعمل فلا يعتبران الا به فهو متقدم عليهما لأنه مصحح للنية المصححة للعمل فنبه المصنف على ذلك حتى لا يسبق إلى الذهن من قولهم إن العلم لا ينفع الا بالعمل تهوين أمر العلم والتساهل في طلبه (قوله فبدأ بالعلم) أي حيث قال فاعلم أنه لا إله إلا الله ثم قال واستغفر لذنبك والخطاب وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فهو متناول لأمته واستدل سفيان ابن عيينة بهذه الآية على فضل العلم كما أخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمته من طريق الربيع ابن نافع عنه انه تلاها فقال ألم تسمع انه بدأ به فقال اعلم ثم أمره بالعمل وينتزع منها دليل ما يقوله المتكلمون من وجوب المعرفة لكن النزاع كما قدمناه انما هو في ايجاب تعلم الأدلة على القوانين المذكورة في كتب الكلام وقد تقدم شئ من هذا في كتاب الايمان (قوله وان العلماء) بفتح أن ويجوز كسرها ومن هنا إلى قوله وافر طرف من حديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم مصححا من حديث أبي الدرداء وحسنه حمزة الكناني وضعفه غيرهم بالاضطراب في سنده لكن له شواهد يتقوى بها ولم يفصح المصنف بكونه حديثا فلهذا لا يعد في تعاليقه لكن ايراده له في الترجمة يشعر بان له أصلا وشاهده في القرآن قوله تعالى ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ومناسبته للترجمة من جهة ان الوارث قائم مقام المورث فله حكمه فيما قام مقامه فيه (قوله ورثوا) بتشديد الراء المفتوة أي الأنبياء ويروى بتخفيفها مع الكسر أي العلماء ويؤيد الأول ما عند الترمذي وغيره فيه وان الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما ورثوا العلم (قوله بخط) أي نصيب وافر أي كامل (قوله ومن سلك طريقا) هو من جملة الحديث المذكور وقد أخرج هذه الجملة أيضا مسلم من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في حديث غير هذا وأخرجه الترمذي وقال حسن قال ولم يقل له صحيح لأنه يقال إن الأعمش دلس فيه فقال حدثت عن أبي صالح (قلت) لكن في رواية مسلم عن أبي أسامة عن الأعمش حدثنا أبو صالح فانتفت تهمة تدليسه (قوله طريقا) نكرها ونكر علما ليتناول أنواع الطرق الموصلة إلى تحصيل العلوم الدينية وليندرج فيه القليل والكثير (قوله سهل الله له طريقا) أي في الآخرة أو في الدنيا بان يوفقه للأعمال الصالحة الموصلة إلى الجنة وفيه بشارة بتسهيل العلم على طالبه لان طلبه من الطرق الموصلة إلى الجنة (قوله وقال) أي الله عز وجل وهو معطوف على قوله لقول الله انما يخشى الله أي يخاف من الله من علم قدرته وسلطانه وهم العلماء قاله ابن عباس (قوله وما يعقلها) أي الأمثال المضروبة (قوله لو كنا نسمع) أي سمع من يعى ويفهم (أو نعقل) عقل من يميز وهذه أوصاف أهل العلم فالمعنى لو كنا من أهل العلم لعلمنا ما يجب علينا فعملنا به فنجونا (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه) كذا في رواية الأكثر وفى رواية المستملى يفهمه بالهاء المشددة المكسورة بعدها ميم وقد وصله المؤلف باللفظ الأول بعد هذا ببابين كما سيأتي وأما اللفظ الثاني فأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب العلم من طريق ابن عمر عن عمر مرفوعا واسناده حسن والفقه هو الفهم قال الله تعالى لا يكادون يفقهون حديثا أي لا يفهمون والمراد الفهم في الأحكام الشرعية (قوله وانما العلم بالتعلم) هو حديث مرفوع أيضا أورده ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية أيضا بلفظ يا أيها الناس تعلموا انما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين اسناده حسن لان فيه مبهما اعتضد
(١٤٧)