هذا الأمر وأسهرني وضربت أنفه وعينيه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد، إن الله تعالى ذكره لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم.
قال: فرجع الرجل وهو يسترجع، وزحف الناس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل والحجارة حتى فنيت ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت واندقت -...
وروى نصر عن رجاله، قال: لما بلغ القوم إلى ما بلغوا إليه قام علي عليه السلام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس، قد بلغ بكم الأمر وبعدوكم ما قد رأيتم و لم يبق منهم إلا آخر نفس، وإن الأمور إذا أقبلت أعتبر آخرها بأولها، وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا منهم ما بلغنا وأنا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى الله.
قال: فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص، وقال: يا عمرو! إنما هي الليلة حتى يغدو علي علينا بالفيصل، فما ترى؟ قال: إن رجالك لا يقومون لرجاله و لست مثله، هو يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره، أنت تريد البقاء وهو يريد الفناء، وأهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم، وأهل الشام لا يخافون عليا إن ظفر بهم، ولكن ألق إلى القوم أمرا إن قبلوه اختلفوا، وإن ردوه اختلفوا، ادعهم إلى كتاب الله حكما فيما بينك وبينهم فإنك بالغ به حاجتك في القوم، و إني لم أزل أؤخر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه، فعرف معاوية ذلك وقال له صدقت.
قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر، عن جابر بن عمير الأنصاري قال: والله، لكأني أسمع عليا يوم الهرير... قال (الراوي): فلا والذي بعث محمدا بالحق نبيا ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السماوات والأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب، إنه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب يخرج