إن المراد من هذه الأمثال الواردة في القرآن مقصور على معانيها الباطنية العقلية من غير تحقق الصور المحسوسة كما يقوله الباطنية، كلا، بل نقول: الغرض منها العبور من مظاهرها إلى مطاويها، ومن صورها إلى معانيها، فإن للقرآن ظهرا و بطنا، وتأويلا وتفسيرا.
ثم إذا شبه العلم مطلقا بالماء فيترتب عليه تشبيه أقسامه بأقسامه، كتشبيه العلوم الحقة الخالية عن الشبه والشكوك بالماء الطاهر الزلال، والعلوم التي بخلافها بالماء الكدر المخلوط بالكثايف، وكتشبيه اليقينات الدائمة بالماء الجاري أبدا، والتي بخلافها بالماء المنقطع، وكتشبيه العلم الذي يفيض من عند الله بإلهامه بلا واسطة معلم بشري بالماء النازل من السماء الجارية في الأودية (1) بلا سعي وتعمل آلة وحفر قناة واستنباط، والذي يحصل بالفكر والروية كالماء المستنبط من الأرض بالحفر ونحوه، والذي يحصل بالتقليد كالماء الذي يفرغ من حوض إلى حوض (2).
2 - قال العلامة الفيض رحمه الله: (يخطر بالبال أن مثال الكوثر في الدنيا هو العلم و الحكمة، ومثال أوانيه علماء الأمة، ولهذا فسر بالخير الكثير، فإن الله عز وجل يقول: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب (3). و يؤيد هذا ما رواه بعض علماء العامة عن مولانا الصادق عليه السلام في تأويل الآية: إنا أعطيناك نورا في قلبك دلك علي وقطعك عما سواي، قال: وكان هذا منه عليه السلام نوع