قال فتركه أكثر القوم لأجلها، - إلى أن قال: - وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سماه محسنا - وجعلوا يقودون أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر، فلحقته فاطمة عليها السلام إلى المسجد لتخلصه، فلم تتمكن من ذلك فعدلت إلى قبر أبيها فأشارت إليه بحزنة ونحيب وهي تقول:
نفسي على زفراتها محبوسة * يا ليتها خرجت مع الزفرات لا خير بعدك في الحياة وإنما * أبكي مخافة أن تطول حياتي ثم قال: وا أسفاه عليك يا أبتاه، واثكل حبيبك أبو الحسن المؤتمن وأبو سبطيك الحسن والحسين، ومن ربيته صغيرا وواخيته كبيرا، وأجل أحبائك لديك، وأحب أصحابك عليك، أولهم سبقا إلى الإسلام ومهاجرة إليك يا خير الأنام، فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير. ثم إنها أنت أنة وقالت: وا محمداه، وا حبيباه، وا أباه، و (أبا القاسماه، وا أحمداه، واقلة ناصراه، وا غوثاه، وا طول كربتاه، وا حزناه، وا مصيبتاه، وا سوء صباحاه، وخرت مغشية عليها، فضج الناس بالبكاء و النحيب وصار المسجد مأتما.
ثم إنهم أوقفوا أمير المؤمنين عليه السلام بين يدي أبي بكر وقالوا له: مد يدك فبايع، فقال:
والله، لا أبايع والبيعة لي في رقابكم. فروي عن عدي بن حاتم أنه قال: والله، ما رحمت أحدا قط رحمتي علي بن أبي طالب عليه السلام حين أتي به ملببا بثوبه يقودونه إلى أبي بكر وقالوا: بايع، قال: فإن لم أفعل؟ قالوا: نضرب الذي فيه عيناك، قال:
فرفع رأسه إلى السماء، وقال: اللهم إني أشهدك أنهم أتوا أن يقتلوني فإني عبد الله وأخو رسول الله، فقالوا له: مد يدك فبايع فأبى عليهم فمدوا يده كرها، فقبض على أنامله فراموا بأجمعهم فتحها فلم يقدروا، فمسح عليها أبو بكر وهي مضمومة، و هو عليه السلام يقول وينظر إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا ابن أم إن القوم استضعفوني و كادوا أن يقتلونني). قال الراوي: إن عليا عليه السلام خاطب أبا بكر بهذين البيتين: