حجبهم يومهم وليلتهم، وبعث إلى رؤساء الشام، فلما جاؤوا وأخذوا مجالسهم قال معاوية لصاحب إذنه: أدخل علي حجر بن عدي.
فلما دخل وسلم، قال له معاوية: يا ابن الأدبر القبيح المنظر أنت القاطع منا الأسباب، والملتمس بحربنا الثواب، والمساعد علينا أبا تراب؟ فقال حجر: صه يا معاوية لا تذكر رجلا كان لله خائفا، ولما يسخطه عائفا، وبما يرضى الله عارفا، خميص الضلوع، طويل الركوع، كثير السجود، ظاهر الخشوع، قليل الهجوع، قائما بالحدود، طاهر السريرة، محمود السيرة، نافذ البصيرة، ملك أمرنا فكان كبعضنا، لم يبطل حقا، ولم يظلم أحدا... ثم بكى حتى نشج، ثم رفع رأسه فقال: أما توبيخك إياي فيما كان من نفسي، فاعلم يا معاوية أني غير معتذر إليك مما فعلت، ولا مكترث مما صنعت، فأعلن بسرك، وأظهر أمرك.
فقال معاوية لصاحب إذنه: أخرجه عني وأدخل علي عمرو بن الحمق الخزاعي. فلما دخل عليه قال له معاوية: يا أبا خزاعة فارقت الطاعة، وأشهرت علينا سيفك، وأهديت إلينا حيفك، فأطلت الأعراض، وشتمت الأعراض، و دلاك بغرور جهلك المحذور، فكيف رأيت صنع الله بصاحبك؟ قال: فبكى عمرو حتى سقط لوجهه، فرفعه الشرطي فقال: يا معاوية بأبي وأمي من ذكرت و تنقصت، كان - والله - العالم بحكم الله - المجد في طاعة الله، المحدود في غيظ الله، الزاهد في الفانية، الراغب في الباقية، لا يظهر منكرا، ولا يظهر تجبرا، يعمل بما يرضى الله عنه.... فقد مزقنا فقده، وتمنينا الموت بعده.
فقال معاوية لصاحب إذنه: أخرجه عني وأدخل علي عدي بن حاتم الطائي.
فلما دخل عليه قال له معاوية: ما أبقى الدهر من ذكر علي بن أبي طالب؟ فقال عدي: فهل رعي إلا ذكره؟ قال: وكيف حبك له؟ فتنفس الصعداء وقال: حبي والله، جديد لا يبيد، وقد تمكن من شغاف الفؤاد إلى يوم المعاد. وقد امتلأ من حبه صدري، وفاض في جسدي وفكري فقال الأمويون: يا أمير المؤمنين أصبح