فاحضروا، وأكرمهم وردهم إلى أهليهم مكرمين (1).
ضرارة بن ضمرة 2 - إن معاوية وفد عليه ضرارة بن ضمرة - وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ومن خواصه - وأراد أن يفتك به، فلما رأى زهده وتقواه واشتغاله بالآخرة عن دنيا، عدل عن ذلك وأراد امتحانه، فقال: صف لي عليا، فقال: اعفني، فقال:
أقسمت عليك بحقه إلا ما وصفته، قال: أما إذا كان ولابد فإنه - والله كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، ينفجر العلم من جوانبه، و تنفلق الحكمة من لسانه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، كان - صلوات الله عليه - غزير الدمعة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن - والله - مع تقربه لنا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، كان - صلوات الله عليه - يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، وإني أشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه - وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه - قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، وهو يقول: يا دنيا غري غيري، أبي تعرضت؟ أم إلى تشوقت؟ هيهات! قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وخطرك كبير، وعيشك حقير، آه من قلة الزاد، و بعد السفر، ووحشة الطريق.
فبكى معاوية وقال: رحم الله، أبا الحسن! قد كان - والله - كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها، فهي لا يرقأ دمعتها، ولا تخفى فجعتها. فأمر له بمال جزيل، فلم يقبل منه شيئا وانصرف، وهو يندب