غلس علي عليه السلام بالناس صلاة الغداة يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الأول سنة سبع و ثلاثين، وقيل: عاشر شهر صفر ثم زحف إلى أهل الشام بعسكر العراق والناس على راياتهم وأعلامهم، وزحف إليهم أهل الشام، وقد كانت الحرب أكلت الفريقين ولكنها في أهل الشام أشد نكاية وأعظم وقعا، فقد ملوا الحرب وكرهوا القتال وتضعضعت أركانهم.
قال: فخرج رجل من أهل العراق على فرس كميت ذنوب (1) عليه السلاح لا يرى منه إلا عيناه، وبيده الرمح، فجعل يضرب رؤوس أهل العراق بالقناة ويقول: سووا صفوفكم - رحمكم الله -، حتى إذا عدل الصفوف والرايات استقبلهم بوجهه وولى أهل الشام ظهره، ثم حمد الله وأثنى عليه وقال: الحمد لله الذي جعل فينا ابن عم نبيه، أقدمهم هجرة، وأولهم إسلاما، سيف من سيوف الله صبه الله على أعدائه، فانظروا إذا حمى الوطيس، وثار القتام، وتكسر المران، وجالت الخيل بالأبطال، فلا أسمع إلا غمغمة (2) أو همهمة فاتبعوني وكونوا في أثري ثم حمل على أهل الشام فكسر فيهم رمحه ثم رجع فإذا هو الأشتر.
قال: وخرج رجل من أهل الشام فنادى بين الصفين: يا أبا الحسن! يا علي! أبرز إلي، فخرج إليه علي عليه السلام حتى اختلفت أعناق دابتيهما بين الصفين فقال: إن لك يا علي! لقدما في الإسلام والهجرة، فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء وتأخر هذه الحروب حتى ترى رأيك؟ قال: وما هو؟ قال: ترجع إلى عراقك فنخلي بينك وبين العراق، ونرجع نحن إلى شامنا فتخلي بيننا وبين أهل الشام. فقال علي عليه السلام: قد عرفت ما عرفت، إن هذه لنصيحة وشفقة، ولقد أهمني