ومجمله ومبينه.
إن قلت: من أين هذا العموم والاستغراق؟ قلت: إضافة العلم إلى الكتاب تفيد العموم، فيكون المراد العلم بكل الكتاب الذي لم يفرط فيه من شئ، ولا رطب ولا يابس إلا فيه وهذا ملازم لكمال العصمة وتمام القدس.
أخي العزيز! إن العلم بظهر الكتاب وبطنه لا يحصل بالاكتساب وإنما هو موهبة جليلة لا يليق بها إلا من اجتمعت فيه الفضائل الكريمة منها العصمة و الطهارة يؤتيها الله من يشاء حسب مراتب استعداده، ولذا اختلف نصيب الأنبياء في العلم والكمال، فمنهم من أوتي حرفا واحدا، ومنهم أوتي حرفين أو ثلاثة أو أزيد، ولم يؤت الجميع أحد من الأنبياء وأوصيائهم عليه السلام إلا نبينا وأوصياؤه - صلى الله عليهم أجمعين -. ولم يكن منع الجميع من بخل من المبدأ الفياض - تعالى عن ذلك علوا كبيرا - بل من جهة عدم استعدادهم له - وهذا يدل على ارتفاعهم: درجات الكمال ظاهرها وباطنها وأولها إلى آخرها ألف ألف مرة بحيث لا يتصور فوقها درجة ومرتبة، (فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين، و أعلى منازل المقربين، وأرفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق، ولا يفوقه فائق، ولا يسبقه سابق، ولا يطمع في إرادكه طامع (1).
فعلى هذا إن الآية الكريمة تدل على أن علم الكتاب كله عند مولانا أمير المؤمنين والأئمة المعصومين من ذريته - سلام الله عليهم أجمعين -، وأيضا تدل على أنهم أعلم وأفضل من أولي العزم من الأنبياء: لأن علومهم محدودة و ليس عندهم علم الكتاب كله. والشاهد على ذلك آيات وروايات، ومن الآيات التي تصرح بذلك هي الآية التي جاءت في شأن سليمان بن داود ووزيره و وصيه عليهما السلام وهي قوله تعالى: قال يا أيها الملاء أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني