بكلام يدل على أن طبعه مشاكل لطباع الرهبان الذين لم يأكلوا لحما ولم يريقوا دما، فتارة يكون في صورة بسطام بن قيس (الشجاع)، وتارة يكون في صورة سقراط والمسيح بن مريم الإلهي. وأقسم بمن تقسم الأمم كلها به لقد قرأت هذه الخطبة (1) منذ خمسين سنة وإلى الان أكثر من ألف مرة، ما قرأتها قط إلا و أحدثت عندي روعة وخوفا وعظة، أثرت في قلبي وجيبا، ولا تأملتها إلا و ذكرت الموتى من أهلي وأقاربي وأرباب ودي، وخيلت في نفسي أني أنا ذلك الشخص الذي وصف الإمام عليه السلام حاله (2).
21 - (وأما فضائله عليه السلام فإنها قد بلغت من العظم والجلال والانتشار والاشتهار مبلغا يسمج معه التعرض لذكرها والتصدي لتفصيلها فصارت كما قال أبو العيناء لعبيد الله بن يحيى بن خاقان، وزير المتوكل والمعتمد: (رأيتني فيما أتعاطى من وصف فضلك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر والقمر الزهر، الذي لا يخفى على الناظر، فأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوب إلى العجز، مقصر عن الغاية، فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الأخبار عنك إلى علم الناس بك (3).
22 - (بطولات الأمام ما اقتصرت يوما على ميادين الحرب، فقد كان بطلا في صفاء بصيرته، وطهارة وجدانه وسحر بيانه، وحرارة إيمانه، وسمودعته، و نصرته للمحروم والمظلوم، وتعبده للحق أينما تجلى له الحق هذه البطولات لا تزال غنيا نعود إليه اليوم وفي كل يوم (4).
(ميخائيل نعيمة)