العلم أفضل من التكسب، وإن كان أفضل، بل في مقام أن طالب العلم إذا اشتغل بتحصيل العلم فليكن منقطعا عن الأسباب الظاهرة الموجودة غالبا لطلاب العلوم من الوظائف المستمرة من السلاطين. والحاصلة من الموقوفات للمدارس وأهل العلم؟ والموجودة الحاصلة غالبا للعلماء والمشتغلين من معاشرة السلطان واتباعه والمراودة مع التجار والأغنياء والعلماء الذين لا ينتفع منهم إلا بما في أيديهم من وجوه الزكوات ورد المظالم والأخماس وشبه ذلك، كما كان متعارفا في ذلك الزمان بل في كل زمان فربما جعل الاشتغال بالعلم بنفسه سببا للمعيشة من الجهات التي ذكرناها.
وبالجملة، فلا شهادة فيما ذكر من كلام الشهيد رحمه الله من أوله إلى آخره، وما أضاف إليه من الروايات في الجمع المذكور أعني تخصيص أدلة طلب الحلال بغير طالب العلم. ثم إنه لا اشكال في أن كل من طلب العلم وطلب الرزق ينقسم إلى الأحكام الأربعة أو الخمسة. ولا ريب أن المستحب من أحدهما لا يزاحم الواجب ولا الواجب الكفائي الواجب العيني، ولا اشكال أيضا في أن الأهم من الواجبين المعينين مقدم على غيره، وكذا الحكم في الواجبين الكفائيين مع ظن قيام الغير به، وقد يكون كسب الكاسب مقدمة لاشتغال غيره بالعلم، فيجب أو يستحب مقدمة.
بقي الكلام في المستحب من الأمرين عند فرض عدم امكان الجمع بينهما.
ولا ريب في تفاوت الحكم بالترجيح باختلاف الفوائد المرتبة على الأمرين فرب من لا يحصل له باشتغاله بالعلم إلا شئ قليل لا يترتب عليه كثير فائدة، ويترتب على اشتغاله بالتجارة فوائد كثيرة، منها تكفل أحوال المشتغلين من ماله أو مال أقرانه من التجار المخالطين معه، على وجه الصلة أو الصدقة الواجبة والمستحبة فيحصل بذلك ثواب الصدقة وثواب الإعانة الواجبة أو المستحبة على تحصيل العلم، ورب من يحصل بالاشتغال مرتبة عالية من العلم يحيي بها فنون علم الدين، فلا يحصل له من كسبه إلا قليل من الرزق فإنه لا اشكال في أن اشتغاله بالعلم والأكل من وجوه الصدقات أرجح. وما ذكر من حديث داود (على نبينا وآله وعليه السلام) فإنما هو لعدم مزاحمة اشتغاله بالكسب لشئ من وظائف النبوة والرئاسة العلمية.