وما أرسله في الفقيه عن الصادق عليه السلام: ليس منا من ترك دنياه لآخرته، أو آخرته لدنياه، وإن العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال.
وأما الأخبار في طلب العلم وفضله فهي أكثر من أن يذكر وأوضح من أن يحتاج إلى الذكر، وذكر في الحدائق: إن الجمع بينهما بأحد وجهين أحدهما وهو الأظهر بين علمائنا تخصيص أخبار وجوب طلب الرزق بأخبار وجوب طلب العلم ويقال: بوجوب ذلك على غير طالب العلم المستقل تحصيله واستفادته وتعليمه وإفادته، قال: وبهذا الوجه صرح الشهيد الثاني قدس سره في رسالته المسماة (بمنية المريد في آداب المفيد والمستفيد) حيث قال في جملة شرائط العلم: وأن يتوكل على الله ويفوض أمره إليه ولا يعتمد على الأسباب فيتوكل عليها، فيكون وبالا عليه، ولا على أحد من خلق الله تعالى بل يلقي مقاليد أمره إلى الله تعالى فيظهر له من نفحات قدسه ولحظات أنسه ما به يحصل مطلوبه ويصلح به مراده. وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله إن الله تعالى قد تكلف [تكفل] لطالب العلم برزقه عما ضمنه لغيره، بمعنى أن غيره محتاج إلى السعي على الرزق حتى يحصل له، وطالب العلم لا يكلف بذلك بل بالطلب وكفاه مؤنة الرزق إن أحسن النية، وأخلص القربة، وعندي في ذلك من الوقائع ما لو جمعته ما لا يعلمه إلا الله من حسن صنع الله تعالى وجمل ما اشتغلت بالعلم وهو مبادئ عشر الثلاثين وتسعمأة إلى يومنا هذا وهو منتصف شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وتسعمأة.
وبالجملة ليس الخبر كالعيان، وروى شيخنا المقدم محمد بن يعقوب الكليني قدس سره بإسناده إلى الحسين بن علوان قال: كنا في مجلس نطلب فيه العلم، وقد نفدت نفقتي في بعض الأسفار، فقال لي بعض أصحابي: من تؤمل لما قد نزل بك؟
فقلت: فلانا، فقال إذا والله لا تسعف بحاجتك ولا تبلغ أملك ولا تنجح طلبتك، قلت: وما علمك رحمك الله قال: إن أبا عبد الله حدثني أنه قرأ في بعض كتبه أن الله تبارك وتعالى يقول وعزتي وجلالي ومجدي وارتفاع مكاني على عرشي لأقطعن أمل كل مؤمل غيري باليأس ولأكسونه ثوب المذلة عند الناس ولأنحينه من قربي ولأبعدنه من وصلي أيؤمل غيري في الشدائد والشدائد بيدي ويرجو غيري ويقرع باب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني فمن ذا الذي أملني لنوائبه فقطعته دونها، ومن ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه مني