وليس لأحد أن يمنع من الحكم بالعلم للنهي عنه أو فقد تعبد بمقتضاه من حيث كان ما قدمناه من الأدلة على صحة الحكم به وكونه غير مستند إلى علم أصلا فيها وتعذر الحكم فيها من دونه مسقطا لهاتين الدعويين، وكيف يشتبه فسادهما على عارف بالتكليف الموقوف صحته في الأصول والفروع على العلم وحصول اليقين بفساد الظن فيهما مع إمكان العلم وبالظن مع تعذر العلم والمظنون غير مستند إلى علم.
وكيف يجتمع له اعتقاد ذلك مع علمه بصحة الحكم مع ظن صدق المدعي أو المنكر ونفي الحكم مع العلم بصدق أحدهما لولا جهل الذاهب إلى ذلك بمقتضى التكليف وطريق صحة العمل فيه وتعويله على استحسان فاسد ورأي قائل.
وليس العلم حاصلا لكل سامع للإخبار بإمضاء رسول الله ص الحكم لخزيمة بن ثابت وسماه لذلك ذا الشهادتين، وإمضاء ما حكم به أمير المؤمنين ع في قصة الأعرابي والناقة لعلمهما بصدقه ص، مع ما ينضاف إلى ذلك من مشهور إنكار أمير المؤمنين على شريح لما طالبه بالبينة على ما ادعاه في درع طلحة: ويلك خالفت السنة بمطالبة إمام المسلمين بينة وهو مؤتمن على أكثر من ذلك، فأضاف الحكم بالعلم إلى السنة على رؤوس الجميع من الصحابة والتابعين فلم ينكر عليه منكر، وهذا مع ما تقدم من رسول الله ص برهان واضح على جهل طالب البينة مع العلم وكونه مقدما عليها.
وليس للمخالف فيما نصرناه أن يمنع منه لظنه أن الحكم بالعلم يقتضي تهمة الحاكم به لأن ذلك رجوع عن مقتضى الأدلة استحسانا ولا شبهة في فساده، على أن ذلك لو منع من الحكم بالعلم لمنع من الحكم بالشهادة والإقرار الماضيين، إذا كان الحكم في المجلس الثاني بالإقرار الحاصل في المجلس الأول أو البينة مستندا إلى العلم وإذا لم تمنع التهمة هاهنا من الحكم بالعلم فكذلك هناك.
وبعد فحسن الظن بالحاكم المتقابل الشروط يقتضي الرجوع إلى حكمه بالعلم ويمنع من تهمته بالإقرار أو البينة، لولا ذلك لم يستقر له حكم ولم يسمع قوله: أقر عندي بكذا أو قامت البينة بكذا أو ثبت عندي كذا أو صح عندي، إلا أن يكون حصول