بأن يفعلوا طاعات أخر تقوم مقام الجهاد فيكون ثوابهم عليه مثل ثواب الجهاد، وليس كذلك من ليس بأولى الضرر لأنه قعد عن الجهاد بلا عذر وظاهر الآية يمنع من مساواته على وجه.
فإن قيل: كيف قال في أول الآية: فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة، ثم قال في آخرها: وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه، وهذا ظاهر التناقض؟ قلنا:
إن أول الآية فضل الله المجاهدين على القاعدين من أولى الضرر درجة وفي آخرها فضلهم على القاعدين غير أولى الضرر درجات ولا تناقض في ذلك لأن قوله تعالى:
وكلا وعد الله الحسنى، يدل على أن القاعدين لم يكونوا عاصين وإن كانوا تاركين للفضل. وقال المغربي: إنما كرر لفظ " التفضيل " لأن الأول أراد تفضيلهم في الدنيا على القاعدين والثاني أراد تفضيلهم في الآخرة بدرجات النعيم.
وقوله تعالى: وأنفقوا في سبيل الله، من كان له مال ولا يمكنه القيام إلى الحرب يجب عليه إقامة غيره مقامه فيما يحتاج إليه وينفق عليه ويعين المحاربين بالسلاح والمركوب والنفقة، فعموم الآية يتناول جميع ذلك. وقوله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، أي لا تتقحموا الحرب من غير نكاية في العدو ولا قدرة على دفاعهم، فمن وجب عليه الجهاد فإنما يجب عند شروط سبعة وهي: الذكورة والبلوغ وكمال العقل والحرية والصحة وأن لا يكون شيخا لا حراك به ويكون هناك إمام عادل أو من نصبه الإمام للجهاد. والآية تدل بظاهرها على أكثر ذلك، فإذا اختل واحد من هذه الشروط سقط فرض الجهاد، و " التهلكة " كل ما كان عاقبته إلى الهلاك.
وقال الصادق ع: لو أن رجلا أنفق ما في يديه في سبيل الله اليوم ما كان أحسن ولا وفق لقوله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين، أي المقتصدين، وتقديره: ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة، كما يقال: أهلك فلان نفسه، إذا تسبب لهلاكها، والمعنى النهي عن ترك الانفاق في سبيل الله لأنه سبب الهلاك أو عن الإسراف في النفقة أو عن الاستقلال والإخطار بالنفس، أو