أبواب الكبد فيحرق دم المراق وهو الذي يجعله جالينوس السبب في المالنخوليا المراقي وروفس جعل سببه شدة حرارة الكبد والمعي وقوم آخرون يجعلون سببه السدة الواقعة في العروق المعروف بالماساريقا مع ورم وآخرون يجعلون السبب فيه السدد الواقعة في الماساريقا وان لم يكن ورم واستدل من جعل السبب في ذلك السدد الواقعة في الماساريقا بان غذاء هؤلاء لا ينفذ إلى العروق فيعرض له فساد واستدل من قال إن ذلك من ورم بطول احتباس الطعام فيهم نيأ بحالة في الأكثر فلا يكون هذا الورم حار لأنه لا يكون هناك حمى وعطش وقئ مرار وربما كان سبب تولده هو من خارج الدماغ ومبدأ تولده هو في الدماغ كما إذا كان في المعدة ورم حار فأحرق بخاره رطوبات الدماغ أو كان في الرحم أو سائر الأعضاء المشاركة للرأس والذي يكون عن برد ويبس بلا مادة فسببه سوء مزاج في القلب سوداوي بمادة أو بلا مادة يشركه فيه الدماغ لان الروح النفساني متصل بالروح الحيواني ومن جوهره فيفسد مزاجه الفاسد السوداوي مزاج الدماغ ويستحيل إلى السوداوية وقد يكون لأسباب أخرى مبردة ميبسة لا من القلب وحده على أنه لا يمكن ان يكون بلا شركة من القلب بل عسى ان يكون معظم السبب فيه من القلب ولذلك لا بد من أن يكون علاج القلب مع علاج الدماغ في هذا المرض (واعلم) ان دم القلب إذا كان صقيلا رقيقا صافيا مفرحا قاوم فساد الدماغ وأصلحه ولا عجب أن يكون مبدأ ذلك في أكثر الامر من القلب وان كان انما تستحكم هذه العلل في الدماغ لأنه ليس ببعيد ان يكون مزاج القلب قد فسد أو لا فيتبعه الدماغ أو يكون الدماغ فسد مزاجه فيتبعه القلب ففسد مزاج الروح في القلب واستوحش ففسد ما ينفذ منه إلى الدماغ وأعان الدماغ على افساده وقد يعرض في آخر الأمراض المادية خصوصا الحادة مالنخوليا فيكون علامة موت وحينئذ يعرض لذلك الانسان ان يذكر الموت والموتى كثيرا بالجملة فان السوداء تكثر فتتولد تارة بسبب العضو الفاعل للغذاء وهو الكبد إذا أحرق الدم أو ضعف عن دفع الفضل السوداوي وهو الأقل وتارة بسبب العضو الذي هو مفرغة للسوداء وهو الطحال إذا ضعف عن أمرين أحدهما جذب ثقل الدم ورماده عن الكيد والآخر دفع فضل ما ينجذب إليه منه إلى المدفع الذي له وقد يتولد السوداء في عضو آخر اما بسبب شدة احراقه لغذائه أو بسبب عجزه عن دفع فضل غذائه فيتحلل لطيفه ويتعكر كثيفة سوداء أو بسبب شديد تبريده وتجفيفه لما يصل إليه وقد يكون السبب في تولده أيضا الأغذية المولدة للسوداء وقد رأى بعض الأطباء ان المالنخوليا قد يقع عن الجن ونحن لا نبالي من حيث نتعلم الطب ان ذلك يقع عن الجن أو لا يقع بعد أن نقول انه كان يقع من الجن فيقع بان يحيل المزاج إلى السوداء فيكون سببه القريب السوداء ثم ليكن سبب تلك السوداء جنا أو غير جن ومن الأسباب القوية في توليد المالنخوليا افراط الغم أو الخوف ويجب أن تعلم أن السوداء الفاعل للمالنخوليا قد تكون اما السوداء الطبيعية واما البلغم إذا استحال سوداء بتكاثف أو أدنى احتراق وان كان هذا يقل ويندر واما الدم إذا استحال بانطباخ أو بتكاثف دون احتراق شديد وأما الخلط الصفراوي فإنه إذا بلغ فيه الاحتراق الغاية فعل مانيا ولم يقتصر على المالنخوليا فكل
(٦٦)